الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

[بحث في الحديث المشهور: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"]

[بحث في الحديث المشهور:  "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"]

روي من حديث أبي هريرة وابن عمر وجابر وأنس رضي الله عنهم.

أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 8/13 قال: 3014 - حدثنا محمد بن علي بن داود قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا محمد بن عمار المؤذن، عن المقبري، عن أبي هريرة به.
وكذلك رواه البيهقي 6/200 وأبي نعيم في التاريخ 1/265.

ورواه ابن عدي رحمه الله في الكامل 7/466 في ترجمة محمد بن عمار في جملة من الأحاديث وقال: وهذه الأحاديث يرويها محمد بن عمار المؤذن عن صالح مولى التوأمة عن المقبري وهذه الأحاديث تعرف بمحمد بن عمار هذا.اهـ

ومن المعلوم أن ما يسوقه ابن عدي رحمه الله من أحاديث تعد في الغالب مما يستنكر على الراوي المترجم له كما نبه على ذلك في مقدمة كتابه حيث قال 1/79:
وذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعف من أجله، أو يلحقه بروايته وله اسم الضعف لحاجة الناس إليها لأقربه على الناظر فيه.اهـ
وقد زاد استنكاره لحديث محمد بن عمار تأكيداً بقوله الذي سبق : "وهذه الأحاديث تعرف بمحمد بن عمار هذا", فلم يضعف هذه الأحاديث فحسب بل استدل بها على ضعف راويها المتفرد بها فأدخله في الضعفاء، مستدلاً على ضعفه بما يرويه من المناكير.

وتبعه ابن طاهر على قوله كما نقله الزيلعي (4/130) وتبعه العسقلاني (305) حيث قال: " والحديث يعرف بابن عمار هذا, وليس بالمحفوظ ". [الإرواء 5/322]

وينتبه إلى أمر, وهو أنه من الغلط عد هذا الراوي في جملة الثقات بل شأنه أن يكون صدوقاً كما ترى في ترجمته وأقوال النقاد فيه. [ينظر التهذيب ت 5491].
على أن الثقة قد يقع في الخطأ, وقد رد النقاد أحاديث بعض الثقات التي تفردوا بها لعلمهم أنهم أخطؤوا فيها.

فهذا الوجه لا يصح للاعتبار لأنه منكر والمنكر أبداً منكر.

وجه آخر:
وروي من وجه ثان عن أبي هريرة رضي الله عنه:
رواه أبو يعلى في مسنده قال:6682 - حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف رشحه».

قال الدارقطني في تعليقه على المجروحين 173- عبد الله بن جعفر بن نجيح:
يقول إبراهيم بن أحمد: عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني، مولى لبني سعد بن بكر بن كنانة، من أهل المدينة، نزل البصرة ضعيف الحديث جدا.
روى عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أعطوا الأجير أجرته، قبل أن يجف عرقه» .
وإنما هو عن سهيل بن أبي صالح، عن عطاء بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ

وهذا الوجه كذلك لا يصح عن أبي هريرة وإنما هو عن عطاء مرسلٌ أخطأ فيه عبد الله المديني, وسيأتي ذكره.

وجه آخر:
وروي من طريق الثوري عن سهيل كما في الحلية 7/142 رواه عنه عبد العزيز بن أبان وهو كذاب.

وجه آخر:
وعند البيهقي 6/199 من طريق محمد بن يزيد بن رفاعة القاضي، عن حفص بن غياث، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأعلمه أجره وهو في عمله".
وقال عقبه: وهذا ضعيف بمرة.اهـ

محمد بن يزيد متهم بسرقة الحديث, وقال البخاري: رأيتهم مجتمعين على ضعفه. ينظر التهذيب [ت 5703].

وجه آخر:
وروى ابن عدي رحمه الله في الكامل 6/413 من طريق عاصم بن سليمان عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعط السائل وإن أتاك على فرس وأعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه.

وعاصم بن سليمان هو الكوزي البصري كذاب ممن يضع الحديث كما قال ابن عدي رحمه الله.

والخلاصة أن الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه لا يثبت لشدة ضعف طرقه بحيث لا ترتقي بمجموعها إلى رتبة الحسن, فالوجه الأول منكر, والثاني كذلك, والثالث والخامس فيهما كذاب, والرابع فيه متهم.

ثانياً: حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
رواه ابن ماجة: 2443 - حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال: حدثنا وهب بن سعيد بن عطية السلمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره، قبل أن يجف عرقه».

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعفه جداً ابن المديني وأبو حاتم وابن سعد وغيرهم, بل قال الحاكم وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. [ينظر التهذيب ت3820] فمثله لا يستشهد بروايته.

ورواه ابن زنجويه في الأموال من طريق زيد بن أسلم قال: 2091 - أنا مسلم بن إبراهيم، أنا عثمان بن عثمان الغطفاني , عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه , وأعطوا السائل وإن جاء على فرس».

وهذا الوجه المرسل موافق لما تقدم في كتاب تعليقات الدارقطني على المجروحين, وفيه زيادة في المتن.

إلا أن الغطفاني بالرغم أنه وُثق إلا أن البخاري رحمه الله قال فيه: مضطرب الحديث, وقال العقيلي رحمه الله في حديثه نظر. [ينظر الميزان 3/48].

وقد روى مالك رحمه الله في الموطأ 2/996 ومعمر رحمه الله في الجامع 11/93 عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا السائل، وإن جاء على فرس».

وهذا لم يجاوز به زيداً بن أسلم واقتصر على شطره الثاني.

وجه آخر:
ورواه محمد المقدسي في الأحاديث المختارة 1/183: من طريق حامد بن آدم ثنا أبو غانم يونس بن نافع عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطوا الأجير أجره ما دام في رشحه.

حامد بن آدم كذبه غير واحد. [ينظر الميزان 1/447].


وجملة القول أن الحديث من هذا الوجه مداره على زيد بن أسلم, واختلف عليه كما سبق في سنده ومتنه, وملخصه ما يأتي:
-رواه ولده عبد الرحمن عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ولا يصح لضعف عبد الرحمن الشديد.

-ورواه عثمان بن عثمان عنه عن عطاء بن يسار مرسلاً وهو محتمل لولا ضعف عثمان واضطرابه ومخالفته لمالك ومعمر كما سيأتي.

-ورواه يونس بن نافع عنه عن أبيه عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً, يرويه عن يونس حامد بن آدم وهو كذاب.

-ويرويه مالك ومعمر عنه مرسلاً وهو أصح ما سبق, وليس فيه موضع الشاهد, والله أعلم.

والخلاصة أن هذه الوجوه كلها لا تصح وليس فيها ما يمكن أن يصلح شاهداً للحديث كما تقدم بيانه.

ثالثاً: حديث جابر رضي الله عنهما:
قال الطبراني في الصغير 34 - حدثنا أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي بمصر , حدثنا محمد بن زياد بن زبار الكلبي، حدثنا شرقي بن القطامي، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» لم يروه عن أبي الزبير إلا شرقي تفرد به محمد بن زياد.

شيخ الطبراني ترجمه الخطيب 5/236 والذهبي في التاريخ 6/690-692, ولم يذكرا فيه جرحاً أو تعديلاً, وقد روى الخطيب هذا الحديث في ترجمته ثم قال: ولم يروه عن محمد بن زياد إلا ابن الصلت.

أما محمد بن زياد بن زبار قال ابن معين لا شيء وقال مرة لا أحد.
وقال أبو حاتم: لم يكن من البابة فلم نكتب عنه.
وقال جزرة: أخباري ليس بذاك.
وذكر ابن ابي حاتم أنه قال: رأيت شرقي بن قطامي ولم أسمع منه.
وأثبت سماعه البخاري في التاريخ.

[ينظر التاريخ الكبير 1/83, الجرح والتعديل 2/355, و7/258 الضعفاء لابن الجوزي 3/61, الميزان 3/552]

وأما شيخه شرقي بن قطامي:
قال شعبة: حماري وإزاري في المساكين صدقة إن لم يكن شرقي كذب على عمر.
وله نحو عشرة أحاديث فيها مناكير.
وضعفه زكريا الساجي، وذكره ابن عدي في كامله.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ليس عنده كثير حديث.
وقال النديم (المعتزلي) في الفهرست: اسمه الوليد بن الحصين قرأت بخط اليوسفي كان كذابا ويكنى أبا المثنى.

[ينظر الضعفاء للعقيلي 2/187 والكامل 5/55 والجرح والتعديل 4/376 والميزان 2/268 واللسان 4/241]

والخلاصة أن الحديث من طريق جابر رضي الله عنهما ضعيف جداً لا يصلح للاعتبار, فهو مسلسل بالعلل ففيه مجهول وضعيف ومتهم بالإضافة إلى احتمال الانقطاع بين محمد بن زياد وشيخه, والله أعلم.

رابعاً: حديث أنس رضي الله عنه:
رواه محمد بن علي الترمذي الصوفي الضال المعروف بالحكيم في كتابه نوادر الأصول في الأصل الثاني عشر ص66 : حدثنا موسى بن عبد الله بن سعيد الأزدي ثنا محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين الهلالي عن الزبير بن عدي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْط الْأَجِير أجره من قبل أَن يجِف عرقه.

شيخ الترمذي موسى الأزدي لم أتبينه.

وأما محمد بن زياد فقد تقدم الكلام عليه.

وأما شيخه بشر بن الحسين:
فقد كذبه أبو داود الطيالسي.
وقال ابن حبّان: روى عن الزبير، عن أنس نسخة موضوعة.
وقال البخاري: فيه نظر.
وقال الدارقطني: متروك, وقال أيضاً: يروي عن الزبير بواطيل والزبير ثقة والنسخة موضوعة.
وقال ابن عدي: عامة حديثه ليس بمحفوظ.
وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير.
وسئل أبو حاتم عنه فقال: لا أعرفه فقيل له أنه ببغداد قوم يحدثون عن محمد بن زياد بن زبار عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس نحو عشرين حديثاً مسندة, فقال: هي أحاديث موضوعة, ليس يعرف للزبير عن أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلا أربعة أحاديث أو خمسة أحاديث.

[ينظر الجرح والتعديل 2/355 والميزان 1/316 واللسان 2/292]

فحديث أنس رضي الله عنه هذا موضوع وآفته بشر بن الحسين ولا يصح للاعتبار كسابقه والله أعلم.

والخلاصة أن الحديث لا يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لضعف طرقه كلها ضعفاً شديداً, وأمثلها مرسل عطاء بن يسار رحمه الله, ولم يرد ما يعضده فيبقى على ضعفه مرسلاً والله أعلم.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.