[ صلاة المأموم قدام الإمام ]
سئل ابن
تيمية رحمه الله:
هل تجزئ
الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا ؟
الجواب
: أما صلاة المأموم قدام الإمام . ففيها ثلاثة أقوال للعلماء :
أحدها :
إنها تصح مطلقا ، وإن قيل إنها تكره ، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك ،
والقول القديم للشافعي .
والثاني
: إنها لا تصح مطلقا ، كمذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد في المشهور من مذهبهما
.
والثالث
: إنها تصح مع العذر ، دون غيره ، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة
أو الجنازة الإقدام الإمام ، فتكون صلاته قدام الإمام خيرا له من تركه للصلاة .
وهذا قول طائفة من العلماء ، وهو قول في مذهب أحمد ، وغيره . وهو أعدل الأقوال
وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في
الجماعة ، والواجبات كلها تسقط بالعذر .
وإن
كانت واجبة في أصل الصلاة ، فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ، ولهذا يسقط عن
المصلي ما يعجز عنه من القيام ، والقراءة ، واللباس ، والطهارة ، وغير ذلك .
وأما
الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام ، ولو فعل ذلك مفردا عمدا بطلت صلاته
، وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه ، وقعد معه ، لأجل المتابعة . مع أنه لا
يعتد له بذلك ، ويسجد لسهو الإمام ، وإن كان هو لم يسه .
وأيضا
ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة، ويعمل العمر الكثير ويفارق الإمام قبل السلام ،
ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام ، وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة ، ولو
فعله لغير عذر بطلت صلاته .
وأبلغ
من ذلك أن مذهب أكثر البصريين ، وأكثر أهل الحديث : أن الإمام الراتب إذا صلى
جالسا صلى المأمومون جلوسا ، لأجل متابعته ، فيتركون القيام الواجب لأجل المتابعة،
كما استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "وإذا صلى جالسا
فصلوا جلوسا أجمعون".
والناس
في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
قيل :
لا يؤم القاعد القائم ، وأن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : كقول مالك ،
ومحمد بن الحسن .
وقيل :
بل يؤمهم ، ويقومون ، وأن الأمر بالقعود منسوخ . كقول أبي حنيفة ، والشافعي .
وقيل :
بل ذلك محكم ، وقد فعله غير واحد من الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
كأسيد بن حضير ، وغيره . وهذا مذهب حماد بن زيد ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما . وعلى
هذا فلو صلوا قياما ففي صحة صلاتهم قولان .
والمقصود
هنا : أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان ، فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه
إلا قدامه كان غاية ما في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة، وهذا أخف من غيره ،
ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده ، فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا
يصلي معه صلى وحده خلف الصف ، ولم يدع الجماعة ، كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة
تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف ، باتفاق الأئمة . وهو إنما أمر بالمصافة مع
الإمكان لا عند العجز عن المصافة .
الفتاوى
الكبرى 2/331.