الأحد، 4 مايو 2014

بحث في حديث: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

بحث في حديث: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

روى الحاكم في "المستدرك" (163) –واللفظ له- والبزار في "المسند" (3351) وهو في "كشف الأستار" برقم (366) والحسين المروزي في "زوائد الزهد لابن المبارك" (1304) والطبراني في "الدعاء" (1876) وأبو نعيم في "الحلية" (7/227) والبيهقي في "الكبرى" (1781) وغيرهم من طرق عن عبد الجبار بن العلاء العطار، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر عن إبراهيم السكسكي، عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

وروي عن يحيى بن أبي بكير عن ابن عيينة:
رواه البزار (3350) عن محمد بن الوليد بن أبان عن يحيى.
ومحمد هذا كذاب.
انظر ترجمته في تاريخ الذهبي (6/203) وفي ميزانه (4/59).

وكذلك رواه ابن صاعد في "زوائد الزهد لابن المبارك" (1305) عن محمد بن إسحاق عن محمد بن حميد عن يحيى.
ومحمد بن حميد هو الرازي متهم بالكذب.
انظر ترجمته في تهذيب المزي (25/97).

فلا يصح عن ابن عيينة مرفوعاً إلا من رواية عبد الجبار عنه, قال البزار: والحديث إنما يعرف لعبد الجبار.

لكن قال الدارقطني: وروي عن محمد بن محمد بن إدريس الشافعي عن ابن عيينة نحوه.
فالله أعلم.

وقد رواه هارون بن معروف عن ابن عيينة موقوفاً على ابن أبي أوفى –رضي الله عنه- بلفظ: «خيار عباد الله الذين يحبون الله، والذين يحببون الله إلى عباده، الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة والنجوم لذكر الله».
كما عند ابن أبي الدنيا في الأولياء (28).

قال الحاكم عقب الحديث: «هذا إسناد صحيح، وعبد الجبار العطار ثقة وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي وإذا صح مثل هذه الاستقامة لم يضره توهين من أفسد إسناده».

إبراهيم السكسكي وإن روى له البخاري فقد لينه عامة الحفاظ:

فعن يحيى بن سعيد قال كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي وقال كان لا يحسن يتكلم.
وعنه قال: كان شعبة يطعن في إبراهيم السكسكي.
وقال أحمد بن حنبل: ضعيف.
وقال النسائي: ليس بذلك القوي، ويكتب حديثه.
وقال ابن عدي: ولم أجد له حديثا منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي.
وضعفه الدارقطني مرة, ومرة قال: تابعي صالح.
وذكره العقيلي، وأبو حفص بن شاهين، وأبو العرب القيرواني، في " جملة الضعفاء ".

وقد تفرد بهذا الحديث:
قال الساجي: تفرد بحديثه عن بن أبي أوفى مرفوعاً: «خير عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر».
ونحوه عن الدارقطني.

انظر الكامل لابن عدي (1/344) والجرح والتعديل للرازي (2/111) والضعفاء للعقيلي (50) وسؤالات الحاكم للدارقطني (269) وأطراف الأفراد والغرائب (3985) وتهذيب للمزي (201) والإكمال لمغلطاي (1/239) وتهذيب ابن حجر (246).

ولو فرضنا أنه ثقة فقد روى الحديث الأكثرون عن مسعر عنه عن أصحابه عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- موقوفاً عليه:

رواه عن مسعر على هذا الوجه:
-ابن المبارك كما في "الزهد" (1303) ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" (164).
-جعفر بن عون كما عند البيهقي في "الكبرى" (1782).
-وكيع بن الجراح كما في "الزهد" له (349) وعنه ابن ابي شيبة في المصنف (34603).
-محمد بن سابق كما في "المحبة لله" (101) لإبراهيم ابن الجنيد.

وقد قال أبو نعيم:
تفرد سفيان عن مسعر برفعه , ورواه خلاد وغيره عن مسعر موقوفاً.

وقال البزار:
وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن مسعر بهذا الإسناد إلا سفيان بن عيينة ... والصحيح الذي روي عن مسعر، عن إبراهيم، عن رجل، عن أبي الدرداء موقوفاً.

وانظر "نتائج الافكار" (1/314).

قال الحاكم بعد أن ساقه موقوفاً من طريق ابن المبارك: «هذا لا يفسد الأول ولا يعلله فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك ابن المبارك إلا أنه أتى بأسانيد أخر كمعنى الحديث الأول».

وهذا ليس بمُسلَّم له حتى فيما لو كان ابن المبارك وحده رواه عن مسعر موقوفاً, فما بالك وقد وافقه على روايته موقوفاً جماعة من الحفاظ؟

(فصل)
وقد رواه وكيع في "الزهد" (345) عن مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: «لئن شئتم لأقسمن لكم، إن أحب عباد الله إلى الله، الذين يحبون الله ويحببون الله إلى خلقه، ولئن شئتم لأقسمن لكم إن أحب عباد الله إلى الله رعاة الشمس والقمر يمشون في الأرض نصحاء».

ورواه الإمام أحمد في "الزهد" (770) عن هاشم بن القاسم عن مبارك به.

مبارك بن فضالة مدلس ولم يصرح بالسماع؛ انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (27/180).

والحسن عن أبي الدرداء مرسل؛ قاله أبو زرعة كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص44).

وقال ابن حبان في "ثقاته" ترجمة (11266) حدثنا أبو يعلى بالموصل قال ثنا أبو نصر التمار قال ثنا كوثر بن حكيم عن المجشر بن نافع عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: «إن شئتم لأقسمن ثم قال بالله الذي لا إله إلا هو إن أكرم عباد الله على الله الذين يراعون الشمس والقمر بالليل والنهار قالوا يا أبا الدرداء المؤذنون».

كوثر بن حكيم متروك الحديث ليس بشيء؛ انظر الكامل لابن عدي (7/217).

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "الأولياء":
36 - نا خلف بن هشام، نا حزم بن أبي حزم، قال: سمعت الحسن، يقول: إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لئن شئتم لأقسمن لكم بالله، أن أحب عباد الله الذين يحببون الله إلى عباده، ويسعون في الأرض بالنصيحة».

ومتن هذه الرواية ليس فيه ذكر مراعاة الشمس والقمر, إضافة إلى أن الصحابي مبهم فلا يُدرى هل سمع منه الحسن البصري أم لا.

والخلاصة في حديث أبي الدرداء: أن المرفوع لا يصح, وتقوية الموقوف بالطرق السابقة فيه نظر.

(فصل)
وروى البيهقي نحوه موقوفاً على أبي هريرة –رضي الله عنه-, قال في "الكبرى":
1783 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث، أنا أبو محمد بن حيان، أنبأ ابن أبي عاصم ثنا محمد بن أحمد أبو يوسف، نا محمد بن سلمة عن واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة، قال: «ألا إن خيار أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لمواقيت الصلاة».

واصل بن أيوب الأسواري لم أقف له على ترجمة بعد طول بحث, بل لم أجده إلا في هذا السند!

وقال عبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده":
1438 - أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبان عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب عباد الله إلى الله، الذين يراعون الشمس والقمر».

أبان هو ابن أبي عياش؛ متروك.

(فصل)
وروى نحوه الطبراني في "المعجم الأوسط" عن أنس –رضي الله عنه-؛ قال:
4808 - حدثنا عبيد بن عبد الله بن جحش الأسدي قال: نا جنادة بن مروان الأزدي الحمصي قال: نا الحارث بن النعمان قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أقسمت لبررت، وإن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر يعني: المؤذنين، وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم».

ورواه ابن شاهين في "الترغيب" (561) والخطيب في "تاريخه" (3/314) من طريق جنادة بن مروان به.

وجنادة قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي, كما في الجرح والتعديل (2/516).

وشيخه الحارث بن النعمان منكر الحديث؛ قاله البخاري في "التاريخ الصغير" (62).
وانظر ترجمته في "تهذيب المزي" (5/291).

فالحديث من هذا الوجه منكر لا يصح.

والخلاصة -والله أعلم- أن الحديث لا يصح مرفوعاً بوجه من الوجوه, والموقوفات كذلك فمدارها على الهلكى والمجاهيل.