السبت، 24 يناير 2015

[باب ما جاء في الستر]

[باب ما جاء في الستر]

قال البخاري في «صحيحه» :
3892 - حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، قال: أخبرني أبو إدريس عائذ الله، أن عبادة بن الصامت، من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه ليلة العقبة أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحوله عصابة من أصحابه: «تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه» قال: فبايعته على ذلك.

وقال:
6070 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن صفوان بن محرز: أن رجلا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: «يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم».

وقال:
6069 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».

وقال مسلم «صحيحه» :
58 - (2580) حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».

وقال:
71 - (2590) حدثني أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد يعني ابن زريع، حدثنا روح، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة».

وقال:
72 - (2590) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يستر عبد عبدًا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة».

وقال:
42 - (2763) حدثنا يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة - واللفظ ليحيى، قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا - أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت.
فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك.
قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114] فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟
قال: «بل للناس كافة».

وقال أبو داود في «سننه» :
4888 - حدثنا عيسى بن محمد الرملي، وابن عوف، وهذا لفظه قالا: حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم».
فقال أبو الدرداء: «كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله تعالى بها».

وقال ابن ابي شيبة في «المصنف» :
26569 - حدثنا الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، قال: «لا يهتك الله ستر عبد في قلبه مثقال ذرة من خير».

وقال:
28082 - حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن زبيد بن الصلت، قال: سمعت أبا بكر الصديق، يقول: «لو أخذت شاربًا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت سارقًا لأحببت أن يستره الله».

وقال:

28083 - حدثنا شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، قال: سرقت عيبة لعمار بالمزدلفة، فوضع في أثرها حقته، ودعا القافة، فقالوا: حبشي، واتبعوا أثره حتى انتهى إلى حائط وهو يقلبها، فأخذها وتركه، فقيل له، قال: «أستُرُ عليه لعل الله أن يستر علي».

وقال عبد الرزاق في «المصنف» :
13530 - عن الثوري، عن واصل، عن معرور بن سويد قال: أتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: «ويح المرية! أذهبت حسنها، اذهبا فاضرباها، ولا تخرقا جلدها، إنما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، فلا يطلعن ستر الله منكم أحد، ولو شاء لجعله رجلاً صادقًا أو كاذبًا».

وقال:
18941 - عن معمر، عن أيوب، عن الشعبي، قال: أشرف ابن مسعود على داره بالكوفة فإذا هي قد غصت بالناس، فقال: «من جاء يستفتينا فليجلس نفتيه إن شاء الله، ومن جاء يخاصم فليقعد حتى نقضي بينه وبين خصمه إن شاء الله، ومن جاء يريد أن يطلعنا على عورة قد سترها الله عليه، فليستتر بستر الله، وليقبل عافية الله، وليسرر توبته إلى الذي يملك مغفرتها، فإنا لا نملك مغفرتها، ولكنا نقيم عليه حدها، ونمسك عليه بعارها».

الشعبي لم يسمع من ابن مسعود لكنه لا يروي إلا عن ثقة ومراسيله قوية كما تقدم وهو من حملة علم ابن مسعود رضي الله عنه وإن لم يره.

وقال إسحاق بن راهويه في «مسنده» :
1660 - أخبرنا عيسى بن يونس، نا أبو حيان التيمي، وهو يحيى بن سعيد من أهل الكوفة، عن أبيه، عن مريم بنت طارق، قالت: دخلت على عائشة في نسوة فسألتها عن الظروف، فقالت: «إنكن لتسألن عن ظروف ما كان كثيرا منها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتقين الله واجتنبن كل مسكر وإن أسكر إحداكن ماء حبها فلتجتنبه، فإن كل مسكر حرام».
قال: فقالت: يا أم المؤمنين إن [كَرِيِّي] تناول ساقي، [فأعرضت عنها بوجهها، واتقتها] بيدها، وقالت: [حُجْرًا حُجْرًا، أخرجنها] عني فأُخرجت المرأة ثم أقبلت عليهن، فقالت: «يا نساء المؤمنين، أتعجز إحداكن إذا أذنبت فستر الله عليها أن تستره على نفسها فإن الناس يُعيِّرُونَ ولا يُغَيِّرُونَ، وإن الله يُغَيِّرُ وَلَا يُعَيِّرُ».

ما بين معقوفتين من «الدلائل في غريب الحديث» (3/1096) وعنده: تقول العرب عند الأمر ينكرونه حجرًا له، أي دفعًا له، واستعاذة من الأمر.

وقال الطبري في «التفسير» (22/304) :
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله {وَلا تَجَسَّسُوا} يقول: «نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن».

وقال:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {وَلا تَجَسَّسُوا} قال: «خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله».

وقال:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا}؛ «هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرّه».

وقال ابن أبي الدنيا في «التوبة» :
78 - حدثني الحسن بن قزعة، ثنا سفيان بن حبيب، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عبد الرحمن المعمري، عن سعيد بن المسيب، قال: «الناس يعملون أعمالهم من تحت كنف الله، فإذا أراد الله بعبد فضيحة؛ أخرجه من تحت كنفه، فبدت منه عورته».

وقال في «الشكر» :
183 - حدثني محمد بن إدريس، ثنا روح بن عبد الواحد الحراني، ثنا ابن السماك، عن مقاتل بن حيان: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} [لقمان: 20] ، قال: «أما الظاهرة؛ فالإسلام، وأما الباطنة؛ فستره عليكم بالمعاصي».

وقال أبو داود في «الزهد» :
127 - نا عثمان بن أبي شيبة، قال: نا جرير، عن الأعمش، عن ابن مدرك، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله: «ثلاث حقًا على الله أن يفعلهن بالعبد:
يأتيه عبد لا يشرك به شيئًا يكله إلى غيره.
ولا يجعل من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له.
ولا يحب رجل قومًا إلا حشره الله معهم.
والرابعة أرجو أن تكون حقًا: لا يستر الله رجلًا في الدنيا إلا ستره في الآخرة».

وقال وكيع في «الزهد» :
455 - حدثنا أبي، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه قال: كان شرحبيل بن السمط على جيش قال: فقال: إنكم نزلتم أرضًا فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حدًا، فليأتنا حتى نطهره، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فكتب إليه: «لا أم لك تأمر قومًا ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم».

وقال:
457 - حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن نعيم بن ذي حناب، عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: «ثلاث من الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، وجار إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أفشاها، وزوجة إن حضرت آذتك وإن غبت عنها خانتك في مالك ونفسها».

نعيم بن ذي حناب، جاء اسمه في «التاريخ الكبير» للبخاري: نعيم بن ذي حباب.

وقال هناد في «الزهد» (2/654) :
حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان، عن سعيد قال: كان من دعاء داود: «اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه تراني وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها».

وقال:
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: خرج رجل جليس فلما حضر العدو قال لأصحابه: من كان منكم أصاب حدا فليقم حتى نطهره قبل أن نلقى عدونا. قال: فبلغ ذلك عبد الله، فقال: «إن الناس يُغَيَّرُونَ وَلَا يُغَيِّرُونَ، وَإِنَّ اللَّهَ يُغَيِّرُ وَلَا يُغَيَّرُ، فمن كان منكم أصاب حدا فليستر كما ستره الله».

وقال:
حدثنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل، فقال: إن لي بنتا كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركت معنا الإسلام، فأسلمت فلما أسلمت أصابها حد من حدود الله، فأخذت الشفرة لتذبح نفسها، فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتى برئت، ثم أقبلت بعد توبة حسنة وهي تخطب إلى قوم، فأخبرهم من شأنها بالذي كان؟
فقال عمر رضي الله عنه: «أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه؟! والله لئن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة».

الشعبي لم يسمع عمر ولكنه لا يروي إلا عن ثقة ومراسيله قوية.

وقال:
حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض رأى عبدا على فاحشة فدعا عليه فهلك , ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فهلك فقال الله له: «يا عبد لا تهلك عبادي».

وقال ابن المبارك في «الزهد» :
1415 - حدثنا الحسين، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي قال: «إن المؤمن ليعطى كتابه في ستر من الله تعالى، فيقرأ سيئاته فيتغير لونه، ثم يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثم ينظر، وإذا سيئاته قد بدلت حسنات، فعند ذلك يقول: {هاؤم اقرءوا كتابيه}».

وقال الخرائطي في «مكارم الأخلاق» :
432 - حدثنا إسماعيل بن الحسن الحراني، حدثنا معمر بن مخلد، حدثنا محمد، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله تبارك وتعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} [لقمان: 20] ، قال: «أما الظاهرة؛ فالإسلام والقرآن، وأما الباطنة؛ فما يستر من العيوب».

وقال:
434 - حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سلام بن مسكين، قال: سأل رجل الحسن رضي الله عنه، فقال: يا أبا سعيد، رجل علم من رجل شيئًا، أيفشيه عليه؟
قال: «يا سبحان الله! لا».

وقال:
441 - حدثنا سعدان بن يزيد البزار، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن، رضي الله عنه يقول: «من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه».

وقال:
450 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا أبو إسحاق الطالقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن مالك بن مغول، عن أبي المرادي، عن العلاء بن بدر، رضي الله عنه قال: «لا يعذب الله عز وجل قومًا يسترون الذنوب».

وقال:
452 - حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي، حدثنا محمد بن كثير المصيصي، عن الأوزاعي، عن عثمان بن أبي سودة، رضي الله عنه قال: «لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تعالى».
قيل: وكيف يهتك ستر الله تعالى؟
قال: «يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه، فيذيعه في الناس».

عثمان بن أبي سودة تابعي مقدسي صاحب جهاد وعبادة.

وقال أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» :
102 - حدثنا خليل بن أبي رافع، قال: ثنا جدي تميم بن المنتصر، ثنا محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك، قوله عز وجل: {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12] ، قال: «لا تلتمس عورة أخيك».

وقال:
106 - حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: كتب إلي عبد الواحد بن شعيب، قال: حدثني الحوطي، عن الوليد بن مسلم، قال: سألت الأوزاعي، قلت: الرجل يظهر منه خزية في دينه، أذكره عند أصحابه؟
فقال: «لا؛ لأن له حرمة الستر، لا تذكره».

وقال:
232 - سمعت محمد بن أبي سعيد الثقفي، يقول: عن عبيد الله بن عبد الكريم الجيلي، قال: «من رأيته يطلب العثرات على الناس، فاعلم أنه معيوب، ومن ذكر عورات المؤمنين، فقد هتك ستر الله المرخى على عباده».

وقال البيهقي في «الشعب»:
4203 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: سمعت أحمد بن خالد بن أحمد القاضي، يقول: سمعت محمود بن آدم، يقول: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: «لولا ستر الله عز وجل ما جالسنا أحد».

وقال:
9228 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت الأستاذ أبو وليد، يقول: سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد الحيري، سمعت إبراهيم بن هانئ، يقول: كنت عند أحمد بن حنبل، وعنده الشقيقي، وهو يذاكره آداب عبد الله بن المبارك، فقال: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: «من تهاون بالستر أطلق لسانه في عيوب نفسه فكفي الناس شره»، قال: فنفر أحمد من مكانه، قال: «سبحان الله، ونتهاون بالستر؟!».

وقال في «الزهد الكبير» :
449 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا جعفر بن محمد، ثنا إبراهيم بن نصر، حدثني إبراهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال لخالد بن صفوان: عظني وأوجز.
قال:، فقال خالد: «يا أمير المؤمنين، إن أقواما غرهم ستر الله عز وجل وفتنهم حسن الثناء، فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين وبثناء الناس مسرورين، وعن ما افترض الله متخلفين مقصرين وإلى الأهواء مائلين.
قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من إيقاع الهوى».

وقال ابن حبان في «روضة العقلاء» ص196:
أخبرنا محمد بن أبي علي الخلادي حدثنا محمد بن المغيرة النوفلي حدثنا محمد بن علي الشقيقي حدثنا أبي عن ابن المبارك قال: «كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر ونهاه في ستر، فيؤجر في ستره ويؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره؛ أستغضب أخاه، وهتك ستره».

وقال الأصبهاني في «الحلية» (8/95) :
حدثنا أبي , ثنا محمد بن أحمد بن يزيد، ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا إسماعيل بن يزيد، ثنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: «الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق، والمؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط، والمؤمن يستر ويعظ وينصح، والفاجر يهتك ويعير ويفشي».

وقال (9/140) :
حدثنا أحمد، قال: سمعت أبا بكر، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه».

وقال الحسن بن عليل: حدثنا يحيى بن معين، قال:
«أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثًا، ما أعلمت بها أحدًا؛ وأعلمته سرًا، ولقد طلب إلي خلف بن سالم أن أخبره بها، فما عرَّفته، وكان يحب أن يجد عليه».
قال يحيى: «ما رأيت على رجل خطأ، إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك، وإلا تركته».
«السير» (11/83).

وقال ابن فتوح الحميدي في «التذكرة» :
10 - أخبرنا أبوالقاسم الشيباني: حدثنا أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: حدثنا إسحاق الفروي، سمعت مالك بن أنس يقول: «أدركت بهذه البلدة - يعني المدينة - أقوامًا لم يكن لهم عيوب، فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فنُسِيَتْ عيوبهم».



وفي الباب أخبار أخرى يطول ذكرها وفيما ذكرت فائدة إن شاء الله. وقد أفادني بكثير من هذه الأخبار أحد إخواني الفضلاء فجزاه الله خيرًا.

الخميس، 22 يناير 2015

بيان علة حديث «إن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة».

بيان علة حديث «إن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة».

قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار»:
1358- حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المشي في النعل الواحدة، وقال: «إن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة».

وتابع الوليدُ بن مسلم ابنَ وهب عن الليث؛ رواه حرب الكرماني في «مسائله» (2/863).

وقد خولف جعفر بن ربيعة في متنه؛ فقد رواه أبو الزناد عن الأعرج ولفظه:
«لا يمشين أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أو ليحفهما جميعًا».

رواه مالك  في «الموطأ» (2/916) عن أبي الزناد، وهو في البخاري (5856) وغيره. ورواه ابن عيينة عن أبي الزناد، وروايته في «المسند» (7349) وغيره.

وجعفر بن ربيعة وإن كان ثقة؛ فهو لا يداني أبا الزناد في الحفظ والإتقان، وخاصة في الأعرج فهو أروى الناس عنه، ومن أثبتهم فيه.
وقد عد البخاري من أصح الأسانيد: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

وقد رواه عن أبي هريرة أيضًا:
1- محمد بن زياد الجمحي كما عند مسلم (2097) وغيره، ولفظه: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ بالشمال، ولينعلهما جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا».

2- سعيد بن أبي سعيد كما عند ابن ماجه (3617) وغيره، ولفظه: «لا يمش أحدكم في نعل واحد ولا خف واحد، ليخلعهما جميعًا، أو ليمش فيهما جميعًا».

3- همام بن منبه كما في «صحيفته» (39) وهو في «المسند» (8151) ضمن روايته لـ «صحيفة همام»، ولفظه: «إذا انقطع شسع نعل أحدكم، أو شراكه، فلا يمش في إحداهما بنعل والأخرى حافية، ليحفهما جميعًا، أو لينعلهما جميعًا».

4- أبو صالح وأبو رزين كما عند مسلم (2098) وأحمد (10188) ولفظ أحمد: «إذا انقطع شسع أحدكم، فلا يمش في النعل الواحدة».

5- سلمان الأغر كما عند البزار (8280)  ولفظه: «لا يمشين أحدكم في نعل واحدة ليخلعهما جميعًا، أو لينعلهما جميعًا».
وهذه الرواية من طريق خالد بن مخلد القطواني، وقد روى أحاديث مناكير، فلعل البزار أخرجها في «مسنده المعلل» لينبه على أنها غير محفوظة والله أعلم.

وروى مسلم (2099) من طريق أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: - «إذا انقطع شسع أحدكم»، أو «من انقطع شسع نعله، فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه، ولا يمش في خف واحد، ولا يأكل بشماله، ولا يحتبي بالثوب الواحد، ولا يلتحف الصماء».

والخلاصة أن جعفر بن ربيعة زاد هذه اللفظة في الحديث وتفرد بها عن الأعرج عن أبي هريرة دون أبي الزناد، ودون أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه.
وكذلك فلم ترو هذه اللفظة في شيء من دواوين السنة وكتبها المعروفة المشهورة، وهذا أيضًا يشعر بعدم ثبوتها؛ لإعراض مصنفي هذه الكتب عن إخراجها والله أعلم.

قال ابن رجب في معرض كلامه على حديث أنس في البسملة: من اتقى وأنصف علم أن حديث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ التي لم يرض بتخريجها أصحاب الصحاح، ولا أهل السنن مع تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مع تساهلهم فيما يخرجونه.
«الفتح» (6/406).

وقال: ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل «مسند البزار»، و«معاجم الطبراني»، و«أفراد الدارقطني»، وهي مجمع الغرائب والمناكير.
«شرح العلل» (2/624).

ولغير واحد نحو كلام ابن رجب هذا وفي معناه، والله المستعان.

وفي الباب آثار في جواز المشي في نعل واحدة عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهما من السلف، وكذلك في كراهته.
انظر مصنف ابن أبي شيبة (5/175) ومصنف عبد الرزاق (11/166).

الأربعاء، 14 يناير 2015

[الأقوال في صفة الإقامة]

[الأقوال في صفة الإقامة]

قال ابن رجب:
واختلف العلماء في صفة الإقامة على أقوال:
أحدها: أنها فرادى سوى التكبير فإنه مرتين في أولها وآخرها، وهذا قول مالك والليث والشافعي في القديم.
وممن روي عنه الأمر بإفراد الإقامة: ابن عمر وسلمة بن الأكوع وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز وعروة، ومكحول والزهري، وقالا: مضت السنة بذلك.
وقال بكير بن الأشج: أدركت أهل المدينة على ذلك.
والقول الثاني: أنه تفرد الإقامة سوى التكبير، وكلمة الإقامة فإنها تُثنَّى، وهو المشهور من مذهب الشافعي وقول أحمد وإسحاق. وروي عن الحسن ومكحول والزهري والأوزاعي.
وللشافعية وجه - ومنهم من حكاه قولاً -: أنه يفرد التكبير - أيضًا - في أول الإقامة وآخرها، مع إفراد لفظ الإقامة.
ولهم قول آخر: أنه يفرد التكبير في آخرها خاصة، مع لفظ الإقامة.
والثالث: أن الإقامة كالأذان مثنى مثنى؛ لحديث أبي محذورة.
وروي - أيضًا - من حديث ابن أبي ليلى، عن معاذ وعن بلال وعن أصحاب محمد، كما سبق ذكر الإختلاف عنه.
وهو قول الكوفيين: النخعي والثوري وأبي بكر بن أبي شيبة، وهو قول مجاهد وابن المبارك.
وروي عن علي، وذكره حجاج بن أرطاة، عن أبي إسحاق، عن أصحاب علي وابن مسعود.
وروي - أيضا - عن سلمة بن الأكوع.
وقال النخعي: لا بأس إذا بلغ «حي على الصلاة، حي على الفلاح» أن يقولها مرة مرة.
ولو أن الأذان يؤذن فأقام، فقال النخعي والشعبي: يعيد الأذان.
وقال الثوري: يجعل إقامته إذا قام [....] .
ومذهب مالك: أنه يعيد الأذان؛ لكنه يرى الإقامة فرادى.
والرابع: أنه يجوز تثنية الإقامة وإفرادها، والإفراد أفضل، وهو قول أحمد وإسحاق وجماعة من فقهاء أهل الحديث؛ لورود الحديث بذلك كله.
وكذا قال ابن خزيمة؛ لكنه قال: يجوز الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة، وتثنية الأذان بغير ترجيع مع إفراد الإقامة.
فأما تثنية الأذان من غير ترجيع وتثنية الإقامة، فلم يصح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والخامس: إن أذن وأقام أفرد الإقامة، وإن صلى وحده، وإن اقتصر على الإقامة ثنَّاها لتكون له تأذينًا، روي ذلك عن أبي العالية وسليمان بن موسى، ونقله حرب عن إسحاق.


«الفتح» (5/212) بتصرف يسير.

السبت، 3 يناير 2015

[باب الرجل يبصق عن يمينه في غير صلاة]

[باب الرجل يبصق عن يمينه في غير صلاة]

قال ابن أبي شيبة:
26661 - حدثنا غندر، عن شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث، قال: كان عبد الله يكره أن يبزق الرجل عن يمينه في غير صلاة.
فقال أبان: عمن؟ فقال: عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.

وفي رواية: عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كان عبد الله جالسًا مستقبل القبلة، قال: أراد أن يبزق عن شماله, وكان مشغولاً، فكره أن يبزق عن يمينه.
رواه ابن أبي شيبة (26664).

وفي رواية أخرى: عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا مع عبد الله بن مسعود فأراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ، فكره أن يبصق عن يمينه وهو ليس في الصلاة.
رواه عبد الرزاق (1699).

وعن حماد بن أبي سليمان، قال: كنت أمشي مع إبراهيم النخعي عن يساره، فحولني عن يمينه وبزق عن يساره. رواه بحشل في تاريخ واسط (ص: 194).

وقال ابن أبي شيبة:
26662 - حدثنا حفص، عن ابن عون، قال: كان ابن سيرين له باب عن يساره مسدود، وكان يلتفت إليه فيبزق فيه.

26663 - حدثنا الفضل بن دكين، عن مسعود، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعته يقول: «من عقل الرجل موضع بزاقه».

مسعود هو: ابن سعد الجعفي وسعد بن إبراهيم هو: بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

قال أحمد بن منيع في «مسنده» :
حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان عن خالد الحذاء، عن أبي نصر -يعني ابن هلال- عن عبد الله بن الصامت، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «ما بزقت عن يميني منذ أسلمت».
قيل لسفيان: لا في صلاة ولا في غيرها؟ قال: نعم.
نقله في «المطالب» (2683). وسفيان هو الثوري رحمه الله.

وفي رواية: أن معاذًا، تفل ذات يوم عن يمينه، ثم قال: «هاه! ما صنعت هذا منذ صحبت النبي صلى الله عليه وسلم», أو قال: «منذ أسلمت».
رواه ابن أبي شيبة (26665).

وقال عبد الرزاق:
1701 - عن ابن جريج قال: أخبرني ابن نعيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: لابنه عبد الملك وقد بصق، عن يمينه، وهو في مسير فنهاه، عن ذلك وقال: «إنك تؤذي صاحبك، ابصق عن شمالك».

ابن نعيم هو: عبد الله بن نعيم بن همام الأردني وكان كاتبًا لعمر بن عبد العزيز رحمه الله.
والمقصود بقوله: «صاحبك» أي: ملك الحسنات والله أعلم.

وقال البيهقي في  «الشعب» ط-الرشد :
[10664] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال قرأت بخط أبي عمرو المستملي، سمعت محمد بن عبد الوهاب، يقول: حفظي عن عبد الرحمن بن بشر، أن يحيى بن سعيد القطان خرج ابنه إلى مكة، فقال: ‌اليسر ‌ركب ‌الشق الأيسر يعني لا يبزق عن يمينه.

وقال الخضر: حدثنا مهنا، قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يبزق عن يمينه في الصلاة وفي غير الصلاة؟
فقال: يكره أن يبزق الرجل عن يمينه في الصلاة وفي غير الصلاة،
فقلت له: لِمَ يكره أن يبزق الرجل عن يمينه في غير الصلاة؟
قال: أليس عن يمينه الملك؟
فقلت: وعن يساره أيضا ملك،
فقال: الذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيئات.
«اجتماع الجيوش» (2/209).

قال ابن رجب في شرح البخاري (3/122) باب (لا يبصق عن يمينه في الصلاة) وقد يفهم من تبويب البخاري اختصاص كراهة البصاق عن اليمين بحال الصلاة، وهو قول المالكية، كما سنذكره فيما بعد - أن شاء الله.
والأكثرون على خلاف ذلك. ثم ساق خبر معاذ رضي الله عنه المتقدم وقال: وروي كراهته عن ابن مسعود وابن سيرين. وذكر رواية مهنا مختصرة.