الأحد، 31 يناير 2016

[في إغماض العينين في الصلاة]

[في إغماض العينين في الصلاة]

قال عبد الرزاق في مصنفه:

باب الرجل يصلي وهو مغمض عينيه

3329 - عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد قال: «يكره أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة كما يغمض اليهود».

3330 - عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: «كان يؤمر إذا كان يكثر الالتفات في الصلاة فليغمض عينيه».

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه:

في تغميض العين في الصلاة

6565- حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد ؛ أنه كره أن يصلي الرجل وهو مغمض العين.

6566- حدثنا زيد بن حباب , قال : حدثنا جميل بن عبيد ، قال : سمعت الحسن ، وسأله رجل : أغمض عيني إذا سجدت ؟ فقال : إن شئت.

6567- حدثنا يحيى بن آدم ، عن جميل ، قال : سمعت الحسن ، وسئل عن الرجل يغمض عينيه وهو ساجد في الصلاة ؟ قال : لا بأس به.

وقال حرب بن إسماعيل في مسائله/الطهارة والصلاة/ص446 :

سمعت إسحاق (هو ابن راهويه) يقول: «لا تُغمض عَينَك وأنت تُصَلِّي؛ فإنه يُكرَه؛ لأن اليَهود يَفعَلون ذلك».

وسألت إسحاق -أيضًا-، قلت: المصَلِّي يُصَلِّي؛ فيُغمض عَينَه؟ قال: «أشَدُّ شَيء: في السُّجود»؛ كأنَّه رَخَّص في غَير السُّجود.

954 - حدثنا عَمرو بن عُثمان، قال: ثنا الوَليد بن مُسلِم، قال: قلت لأبي عَمرو الأوزاعي: يُغمض المصَلِّي عَينَه؟ قال: «ليس ذاك من هَدي الصَّلاة».

وقال أبو بكر الآجري كما في المشيخة البغدادية:

حدثنا جعفر، نا ابن أبي الحواري، نا مروان بن معاوية الفزاري، قال: سألت مالك بن أنس عن الرجل يغمض عينيه في السجود: فلم ير به بأسًا.

حدثنا جعفر بن أحمد، نا أحمد بن أبي الحواري، نا مروان بن معاوية، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: إذا أحسست من بصرك جهدًا فأغمضه.

قال أحمد: أنا رأيت يزيد يغمض عينيه في الصلاة.

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/273) :

ولقد كان من تحفظ أهل العلم في صلاتهم وحفظهم لأبصارهم أن قال بعضهم: إن لم يستطع ذلك غمض عينيه, كان الحسن يقول: يضع بصره بحذاء المكان الذي يسجد فيه، فإن لم يستطع فليغمض عينيه.
وقال ابن سيرين: كان يؤمر إذا كان يكثر الالتفات في الصلاة أن يغمض عينيه.
وكره بعضهم تغميض العين في الصلاة، وممن كره ذلك مجاهد، وأحمد، وإسحاق، وقال الأوزاعي: ليس ذلك من هدي الصلاة.

وقال ابن قدامة في المغني (2/9) :

ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة. نص عليه أحمد؛ وقال: هو فعل اليهود. وكذلك قال سفيان، وروي ذلك عن مجاهد، والثوري، والأوزاعي. وروي عن الحسن جوازه من غير كراهة.

وفي المبدع (1/424) : وقد نقل أبو داود: إن نظر أمته عريانة غمض عينيه.

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/283) :

ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة وقد تقدم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء، ولا يجاوز بصره إشارته.
وذكر البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه قال: «كان قرام لعائشة، سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أميطي عني قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي». ولو كان يغمض عينيه في صلاته، لما عرضت له في صلاته.
وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر، لأن الذي كان يعرض له في صلاته: هل تذكر تلك التصاوير بعد رؤيتها، أو نفس رؤيتها؟ هذا محتمل، وهذا محتمل، وأبين دلالة منه حديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر، إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي». وفي الاستدلال بهذا أيضا ما فيه، إذ غايته أنه حانت منه التفاتة إليها، فشغلته تلك الالتفاتة ولا يدل حديث التفاته إلى الشعب لما أرسل إليه الفارس طليعة، لأن ذلك النظر والالتفات منه كان للحاجة، لاهتمامه بأمور الجيش، وقد يدل على ذلك مد يده في صلاة الكسوف؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها، وصاحب المحجن، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه، ورده الغلام والجارية، وحجزه بين الجاريتين، وكذلك أحاديث رد السلام بالإشارة على من سلم عليه وهو في الصلاة، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه، وكذلك حديث تعرض الشيطان له فأخذه فخنقه، وكان ذلك رؤية عين، فهذه الأحاديث وغيرها يستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة.
وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرهه الإمام أحمد وغيره، وقالوا: هو فعل اليهود، وأباحه جماعة ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها.
والصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع، فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعا، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم.

وقد روي حديث مرفوع في النهي عنه:

قال ابن عدي في الكامل:

16186 - أخبرنا الحسن بن سفيان، حَدثنا أَبو خيثمة مصعب بن سعيد، عن موسى بن أعين، عن لَيث، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه.

هذا الحديث رواه ابن عدي في ترجمة مصعب بن سعيد، أَبو خيثمة المكفوف المصيصي وقال عنه: يحدث عن الثقات بالمناكير، ويصحف عليهم. وقال : والضعف على حديثه بيّن.

ورواه الطبراني من طريق مصعب بن سعيد في المعجم الصغير (24) وفي الأوسط (2218) وفي الكبير (10956).

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: هذا حديث منكر. المغني لابن قدامة (2/9).

الأربعاء، 27 يناير 2016

[جزء في ذكر من كفَّر الحجَّاج بن يوسف أو ذكره بسوء، وذكر بعض كفرياته ومخازيه]

[جزء في ذكر من كفَّر الحجَّاج بن يوسف أو ذكره بسوء، وذكر بعض كفرياته ومخازيه]

قال ابن أبي شيبة في «المصنف» :

30990- حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، قال : عجبا لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنًا.

30991- حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : أشهد أنه مؤمن بالطاغوت كافر بالله ، يعني الحجاج.

30994- حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، أنه كان إذا ذكر الحجاج ، قال : ألا لعنة الله على الظالمين.

30995- حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كفى بمن شك في الحجاج لحاه الله.

وعند الخلال (4/59) : «كفى به عمى الذي يعمى عليه أمر الحجاج».

إبراهيم هو النخعي.

31260- حدثنا مالك بن إسماعيل , قال : أخبرنا جعفر بن زياد ، عن عطاء بن السائب ، قال : كنت جالسا مع أبي البختري الطائي والحجاج يخطب ، فقال : مثل عثمان عند الله كمثل عيسى ابن مريم ، قال : فرفع رأسه ثم تأوه ، ثم قال : {إني متوفيك ورافعك إلي} إلى قوله {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} قال : فقال أبو البختري : كفر ورب الكعبة.

أبو البختري هو سعيد بن فيروز تابعي كوفي جليل.

وقال الخلاَّل في «السُّنة» :
850 - أخبرني محمد بن عبد الصمد المقرئ، قال: ثنا مخلد بن قدامة، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم: ما ترى في لعن الحجاج وضربه من الناس؟ فقال: لا تسمع إلى قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} .

853 - وأخبرني زكريا بن يحيى، أن أبا طالب حدثهم قال: قال أبو عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) : «كان الحجاج بن يوسف رجل سوء».

855 - أخبرنا الدوري، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا الصلت بن دينار، قال: سمعت الحجاج، على منبر واسط يقول: «عبد الله بن مسعود رأس المنافقين، لو أدركته لسقيت الأرض من دمه».

وقال البيهقي في «الشعب» :
10607 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف، أنا أبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ، ثنا موسى بن الحسن، ثنا سفيان بن زياد المخرمي ، ثنا إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة، ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: «قيل لي في المنام: إياك والغيبة، إياك والنميمة، إياك وأكل أموال اليتامى، إياك والصلاة خلف الحجاج؛ فإني أقسمت لأقصمنه كما يقصم عبادي».

وقال أبو الفضل الزهري كما في «جزء حديثه» :
274 -  حدثنا أحمد، نا واصل بن عبد الأعلى، نا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، قال: اختلفوا في الحجاج، فقالوا: بمن ترضون؟
فقال بعضهم: بمجاهد، فأتوه فسألوا، فقال: تسألوني عن الشيخ الكافر؟!

275 - حدثنا أحمد، نا واصل، نا عمار بن أبي مالك، عن أبيه، عن الأجلح، قال: اختلفت أنا وعمر بن قيس الماصر، في الحجاج، فقلت أنا: الحجاج، كافر - وقال عمر: الحجاج مؤمن ضال - قال: فأتينا الشعبي، فقلت: يا أبا عمرو، إني قلت: إن الحجاج كافر، وإن هذا قال: الحجاج مؤمن ضال.
قال: فقال الشعبي: يا عمر، شمرت ثيابك, وحللت إزارك, وقلت: إن الحجاج مؤمن ضال!
وكيف يجتمع في رجل إيمان وضلال؟! الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم.

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/417) :
قال عارم: حدثنا معتمر، حدث أبي، عن عبد الرحمن، صاحب السقاية، قال: دعا الحجاج أنسًا، رضي الله عنه، فلم يكلفه ما يكلف الناس، غير أنه شتمه، فسمعت أنسًا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم دعاني، فقلت: لم أنكث بيعتي، فما أعلم أحدًا من الناس نجا منه كما نجا عبد الرحمن، ودعا، وجيء بعمران بن عصام، وكان يذكر، قال: ربما سمعته يقول: اللهم اغفر لنا، حتى يبكي، فقتله.
قال أبي: وجيء بأبي السوار، فقال: ما تقول؟
قال: كافرٌ منافقٌ، والله ما عنى غيرَه.

أبو السوار هو: العدوي البصري من كبار التابعين. وكان الحجاج يقتل المرء إلا أن يشهد على نفسه بالكفر، فأبو السوار أوهم الحجاج أنه شهد على نفسه بالكفر وهو إنما عناه به.

وقال عبد الله بن أحمد في الزهد: حدثني الحسن بن عبد العزيز ثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أشعث الحداني وكان يقرأ للحجاج في رمضان قال رأيته في منامي بحالة سيئة فقلت: يا أبا محمد ما صنعت؟ قال: ما قتلت أحدا بقتله إلا قتلت بها. قلت: ثم مه؟ قال: ثم أمر بي إلى النار. قلت: ثم مه؟ قال: أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله. فبلغ ذلك ابن سيرين فقال: إني لأرجو له. فبلغ قول ابن سيرين الحسن فقال: أما والله ليخلفن الله رجاءه فيه.
تهذيب التهذيب (2/213).


وقال أبو داود في سننه:

4641 - حدثنا أبو ظفر عبد السلام، حدثنا جعفر، عن عوف، قال: سمعت الحجاج، يخطب وهو يقول: إن مثل عثمان عند الله كمثل عيسى ابن مريم، ثم قرأ هذه الآية يقرؤها ويفسرها {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك، ورافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا} يشير إلينا بيده وإلى أهل الشام.

4642 - حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، حدثنا جرير، ح وحدثنا زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن المغيرة، عن الربيع بن خالد الضبي، قال: سمعت الحجاج، يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله علي ألا أصلي خلفك صلاة أبدا، وإن وجدت قوما يجاهدونك لأجاهدنك معهم، زاد إسحاق في حديثه قال: فقاتل في الجماجم حتى قتل.

قال في عون المعبود (12/257) : والظاهر أن مقصود الحجاج الظالم عن هذا الكلام الاستدلال على تفضيل عبد الملك بن مروان وغيره من أمراء بني أمية على الأنبياء عليهم السلام بأن الأنبياء إنما كانوا رسلا من الله تعالى ومبلغين أحكامه فحسب وأما عبد الملك وغيره من أمراء بني أمية فهم خلفاء الله تعالى ورتبة الخلفاء يكون أعلى من الرسل فإن كان مراد الحجاج هذا كما هو الظاهر وليس إرادته هذا ببعيد منه كما لا يخفى على من اطلع على تفاصيل حالاته فهذه مغالطة منه شنيعة تكفره بلا مرية ألم يعلم الحجاج أن جميع الرسل خلفاء الله تعالى في الأرض ولم يعلم أن جميع الأنبياء أكرم عند الله من سائر الناس ولم يعلم أن سيد الأنبياء محمد سيد ولد آدم عليه السلام ويلزم على كلامه هذا ما يلزم فنعوذ بالله من أمثال هذا الكلام.

4643 - حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو بكر، عن عاصم، قال: سمعت الحجاج، وهو على المنبر يقول: {اتقوا الله ما استطعتم} ليس فيها مثنوية، {واسمعوا وأطيعوا} ليس فيها مثنوية، لأمير المؤمنين عبد الملك، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالا، ويا عذيري من عبد هذيل يزعم أن قراءته من عند الله، والله ما هي إلا رجز من رجز الأعراب ما أنزلها الله على نبيه عليه السلام، وعذيري من هذه الحمراء يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر قد حدث أمر، فوالله لأدعنهم كالأمس الدابر.
قال: فذكرته للأعمش فقال: أنا والله سمعته منه.

(مثنوية) أي استثناء, يريد أن الأحكام مفوضة إلى آراء الأمراء والسلاطين.

ورواه ابن أبي الدنيا في الإشراف (63) ولفظه: يا عجباه من عبد هذيل زعم أنه يقرأ قرآنا من عند الله , فوالله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب , والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه.

ورواه ابن عساكر (12/160) من طريق ابن أبي خيثمة عن محمد بن يزيد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم ولفظه: ولا أجد أحدًا يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه، ولأخلينها من المصحف ولو بضلع خنزير.
قال أبو بكر: فذكرت ذلك للأعمش، فقال: وأنا قد سمعته يقول ذلك. فقلت: والله لأقرأنها على رغم أنفك! وذلك في نفسي.
قال أبو بكر بن عياش: وأتى بشاهدين، يعني الأعمش وعاصمًا.

عبد هذيل وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وقال البلاذري في أنساب الأشراف (13/386) :
حدثني أبو موسى إسحاق الفروي، أنبأ محمد بن الفضيل عن سالم بن أبي حفصة قال: سمعت الحجاج يخطب على المنبر فذكر قراءة ابن مسعود فقال: زجر كزجر الأعراب. والله لا أحدث رجلا يقرؤها إلا ضربت عنقه، والله لأحكنها ولو بعظم خنزير.

وحدثني بكر بن الهيثم والحسين بن إبراهيم الصفار، قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم عن الصلت بن دينار قال: سمعت الحجاج على منبر واسط يقول: قاتل الله عبد هذيل والله ما قرأ مما أنزل الله على محمد حرفًا، وما هو إلا رجز العرب، والله لو أدركته لسقيت الأرض من دمه.

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (12/183) :
من طريق ابن أبي خيثمة قال: نبأنا أبو ظفر، نبأنا جعفر بن سليمان، قال بسطام بن مسلم، عن قتادة، قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟
قال: أي والله! ما خرجت عليه حتى كفر.

قال ابن حجر: وكفره جماعة منهم: سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم. «تهذيب التهذيب » (2/211).

وقال: ابن عساكر في «تاريخه» (12/161) :
أخبرنا أبو القاسم الشحامي، قال: قرئ على سعيد بن محمد بن أحمد، أنبأنا أبو طاهر زاهر بن أحمد، قال: نبأنا الحسين بن سعيد المطبقي، نبأنا عيسى، نبأنا عباس بن محمد، نبأنا مسلم بن إبراهيم، عن الصلت بن دينار، قال: تلا الحجاج بن يوسف هذه الآية على المنبر: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}، فقال الحجاج: والله إن كان سليمان لحسودًا.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن النضر الديباجي، نبأنا علي بن عبد الله بن مبشر، نبأنا العباس بن محمد الدقاق، نبأنا مسلم بن إبراهيم، نبأنا الصلت بن دينار، قال: سمعت الحجاج بن يوسف على منبر واسط تلا هذه الآية: {هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي}، قال: والله إن كان سليمان لحسودًا.

قال الطبري في تفسيره (٢٠/١٠٣) بعد أن ذكر قول الحجاج هذا:
وأما مسألته ربه مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبل قول من قال: إن معنى ذلك: هب لي ملكا لا أسلبه كما سلبته قبل وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسلبنيه وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني فيكون حجة وعلما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث، إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم ويتجه أيضا لأن يكون معناه: وهب لي ملكا تخصني به، لا تعطيه أحدا غيري تشريفا منك لي بذلك، وتكرمة، لتبين منزلتي منك به من منازل من سواي، وليس في وجه من هذه الوجوه مما ظنه الحجاج في معنى ذلك شيء.

وقال البيهقي في الدلائل (6/489) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسين بن الحسن بن أيوب، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا عبد الله بن يوسف بن التنيسي، حدثنا هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.

وقال ابن عساكر (12/185) :
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم أنبأنا رشأ بن نظيف أنبأنا أبو محمد الضراب أنبأنا أبو بكر المالكي أنبأنا ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي عن سليمان بن أبي شيخ نبأنا صالح بن سليمان قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة لقد ولي العراق وهو أوفر ما تكون العمارة فأخس به حتى صيره إلى أربعين ألف ألف ولقد أدي إلي في عامي هذا ثمانون ألف ألف وإن بقيت إلى قابل رجوت أن يؤدي إلي ما يؤدي إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مائة ألف ألف ألف وعشرة ألف ألف.

أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء أنبأنا منصور بن الحسين الكاتب أنبأنا أبو بكر بن المقرئ أنبأ أبو عروبة نبأنا يحيى بن عثمان نبأنا أبو مسهر عن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بأبي محمد (يعني الحجاج) لفتناهم. فقال رجل من آل أبي معيط: لا تقل ذلك فوالله إن وطأ لكم هذا الأمر الذي أصبحتم فيه غرة. فقال عمر: أتحب أن يدخلك الله مدخل الحجاج؟ قال: أي والله أني لاحب أن يدخلني الله مدخله ولا يدخلني مدخلك. فقال عمر: أمّنو اللهم أدخله مدخل الحجاج.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه أنبأنا أبو الحسن بن أبي الحديد أنبأنا جدي أنبأنا أبو الدحداح نبأنا أحمد بن عبد الواحد بن عبود نبأنا محمد بن كثير عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.

وبلايا هذا الرجل أكثر من أن تحصى هنا وإنما قصدت بنقل بعضها بيان طرف مما نقل عنه من كفر وضلال خلافًا لما هو شائع عند كثيرين: أن غاية ما كان عليه هو الظلم والبطش وسفك الدماء فحسب.
وكذلك لبيان موقف كثير من أئمة السلف منه وأن جمعًا منهم كفره لما أظهر ما يستوجب ذلك.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

السبت، 23 يناير 2016

[تزويج الصغيرة]

[تزويج الصغيرة]

قال البخاري في صحيحه:

5065 - حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة، قال: كنت مع عبد الله، فلقيه عثمان بمنى، فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرًا، تذكرك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك، لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

ورواه مسلم في صحيحه (1400) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه، فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك جارية شابة، لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك، قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث.

عبدالله هو ابن مسعود رضي الله عنه. وهذه الحادثة كانت في خلافة عثمان رضي الله عنه كما عند الطيالسي في مسنده (270) , وخلافة عثمان كانت بين سنة 23 و 35 للهجرة , وابن مسعود رضي الله عنه مات في خلافة عثمان عام 33 وله 63 سنة. فيكون عمره في أول خلافة عثمان 53 سنة تقريبًا.

وقال سعيد بن منصور في سننه:

520 - حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عمر خطب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم، فقال علي: إنما حبست بناتي على بني جعفر. فقال: أنكحنيها، فوالله ما على الأرض رجل أرصد من حسن عشرتها ما أرصدت. فقال علي رضي الله عنه: قد أنكحتكها. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر، وكان المهاجرون يجلسون ثم، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان، وطلحة، وسعد، فإذا كان العشي يأتي عمر الأمر من الآفاق ويقضي فيه، جاءهم وأخبرهم ذلك، واستشارهم كلهم، فقال: رفئوني. قالوا: بم يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم أنشأ يحدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة، إلا نسبي وسببي» . كنت قد صحبته فأحببت أن يكون لي أيضا.

وقال عبد الرزاق في المصنف:

10351 - عن معمر، عن أيوب، وغيره، عن عكرمة: «أن علي بن أبي طالب أنكح ابنته جارية تلعب مع الجواري عمر بن الخطاب».

وقال سعيد بن منصور:

باب تزويج الجارية الصغيرة

636 - حدثنا هشيم، قال: نا سيار، عن الشعبي، أن رجلا كان في سفر فقال لأصحابه: أيكم يذبح لنا شاة وأزوجه أول بنت تولد لي، ففعل ذلك رجل من القوم، فذبح لهم شاة، فولد للرجل ابنة، فأتاه فقال: امرأتي فأتوا ابن مسعود رحمه الله، فقال ابن مسعود: «وجب النكاح بالشاة، ولها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط».

637 - حدثنا هشيم، قال: أنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، بنحو من ذلك.

638 - حدثنا خالد، عن مغيرة، عن إبراهيم، أن قوما كانوا في سفر فقال رجل من القوم: من يذبح الشاة للقوم؟ وله ابنتي، أو قال: ابنة تولد لي، فذبح رجل منهم، فلما ولد له ذكر ذلك لعبد الله رحمه الله فقال: «قد ملكت المرأة وليس هذا بصداق».

639 - حدثنا أبو معاوية، نا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: دخل الزبير بن العوام على قدامة بن مظعون يعوده فبشر زبير بجارية، وهو عنده، فقال له قدامة: " زوجنيها، فقال له الزبير بن العوام: ما تصنع بجارية صغيرة وأنت على هذه الحال؟ قال: بلى إن عشت فابنة الزبير، وإن مت فأحب من ورثني قال: فزوجها إياه.

640 - حدثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن ابن قسيط، قال بشر رجل بجارية فقال رجل: هبها لي، فقال: هي لك فسئل سعيد بن المسيب عن ذلك، فقال: «لا تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أصدقها سوطًا حلت له».

وقال الشافعي رحمه الله: وزوج الزبير رضي الله عنه ابنته صبية، وزوج غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة. السنن الكبرى (7/185).

وقال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (5/19) :

باب نكاح الأب بنته الصغيرة البكر

ثبت أن أبا بكر زوج عائشة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهي إذ ذاك بنت سبع سنين.
وأجمع أهل العلم على أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز، إذ زوجها من كفؤ، هذا قول مالك، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وحجتهم في ذلك حديث عائشة. وبه نقول.

وأما ما رواه النسائي في المجتبى:
3221 - أخبرنا الحسين بن حريث، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها صغيرة» فخطبها علي، فزوجها منه.

ففي سنده الحسين بن واقد وثقه بعضهم لكن تُكلم فيه:

كان ابن المبارك يثني عليه.
وقال ابن مَعِين: ثقة .
وَقَال أبو زُرْعَة والنَّسَائي: ليس بِهِ بأس.
وقال أحمد في رواية الأثرم: لا بأس به وأثنى عليه خيرًا.

وضعفه في مواضع:
قال أحمد: ليس بذاك. وقال: له أشياء مناكير.
وقال: وأحاديث حسين ما أرى أي شيء هي، ونفض يده.

وقد تكلم الإمام أحمد في رواية الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة خاصة:
قال: ما أنكر حديث حسين بن واقد، وأبي المنيب، عن ابن بريدة.
وقال: عبد الله بن بريدة، الذي روى عنه حسين بن واقد، ما أنكرها، وأبو المنيب أيضًا يقولون، كأنها من قبل هؤلاء.

انظر التهذيب وحواشيه ترجمة (1346). وموسوعة أقوال أحمد في الرجال ترجمة (566). وكذلك انظر ترجمة عبد الله بن بريدة في التهذيب (3179).

وخالفه ابن معين: قال ابن الجنيد: (451) قلت ليحيى بن معين: الأحاديث التي رواها الحسين ابن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، هي صحاح؟ قال: «ليس به بأس ثقة» ، يعني: الحسين بن واقد.

قال ابن سعد في الطبقات (8/19) :
أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا المنذر بن ثعلبة عن علباء بن أحمر اليشكري، أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر انتظر بها القضاء» فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر ردك يا أبا بكر ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: «انتظر بها القضاء» فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره فقال له: ردك يا عمر ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعد أبي بكر وعمر ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ فذكروا له قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم فباع علي بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع».

وهذا خبر مرسل جيد رجاله ثقات وعلباء تابعي ثقة حدث عن أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه. وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رد تزويج فاطمة لأنها صغيرة بل لأنه ينتظر بها القضاء.

وعلى فرض صحة حديث بريدة فقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «إنها صغيرة» , لا يخدم قول من يقول بأنه: (لا ينبغي أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة ولو كانت بالغة من رجل يكبرها في السن كثيرًا، بل ينبغي أن يلاحظ تقاربهما في السن). فلم يقل في الحديث : إنها تصغركما أو إنكما تكبرانها والخبر يحتمل غير ما ذكر فيه. وعامة من روى الخبر –إلا النسائي- أورده في مناقب علي رضي الله عنه ولم ينتزع منه هذا الحكم. والله أعلم. والنسائي رحمه الله مسبوق بفعل الصحابة كعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والزبير وقدامة رضوان الله عليهم جميعًا كما تقدم.

ولا يفهم مما سبق التشجيع على الزواج من الصغيرة وترك الزواج من الكبيرة فقد يعرض للمفضول ما يجعله فاضلًا فالكبيرة قد تكون فاضلة لتدينها أو لعقلها أو لغير ذلك وفي هذا المعنى ما جاء في الصحيح لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جابرًا قال: تزوجت؟ قال: نعم، قال: بكرًا أم ثيبًا؟ قال: بل ثيبًا، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قال: إن لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.