السبت، 31 مايو 2014

‏في ذكر من ضعف حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

‏في ذكر من ضعف حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

هذا الحديث تفرد به العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه:
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ.
الجامع (3/106).
وقال أبو داود: ولم يجئ به غير العلاء، عن أبيه.
السنن (2/300).
وقال النسائي: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن.
السنن الكبرى (3/254).

قال ابن رجب–رحمه الله-:
وصححه الترمذي وغيره واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم وقالوا: هو حديث منكر منهم الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم.
لطائف المعارف (ص135).

قال أبو داود –رحمه الله-:
سمعت أحمد، ذكر حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل النصف من شعبان أمسك عن الصوم» , فقال: كان عبد الرحمن بن مهدي لم يحدثنا به، لأن عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، يعني: حديث عائشة، وأم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان» .
قال أحمد: هذا حديث منكر، يعني: حديث العلاء هذا.
 المسائل (2002).

وقال المروذي –رحمه الله-:
وذكرت له حديث زهير بن محمد , عن العلاء , عن أبيه , عن أبي هريرة , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان نصف شعبان فلا صوم , فأنكره، وقال: سألت ابن مهدي عنه، فلم يحدثني به , وكان يتوقاه، ثم قال أبو عبد الله: هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
العلل (278).

وقال حرب: سمعت أحمد يقول في الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان النصف من شعبان فلا صوم إلا رمضان) ؛ قال هذا حديث منكر.
قال: وسمعت أحمد يقول: لم يحدث (يعني: العلاء) حديثاً أنكر من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان النصف من شعبان فلا صوم إلا رمضان).
وأنكر أحمد هذا الحديث, وقال كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث عن سهيل .
ورواية محمد بن يحيى الكحال (يعني عن الإمام أحمد) : هذا الحديث ليس بمحفوظ, والمحفوظ الذي يروى عن أبي سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان.
شرح كتاب الصيام من العمدة لابن تيمية (ص649). ورواية الكحال في طبقات الحنابلة (1/328).

واستنكره ابن معين–رحمه الله-.
فتح ابن حجر (4/129).

وقال البرذعي–رحمه الله-: وشهدت أبا زرعة ينكر حديث العلاء بن عبد الرحمن (إذا انتصف شعبان) وزعم أنه منكر.
سؤالات البرذعي لأبي زرعة (388/2).

وقال الخليلي: العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة: مديني مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليها.
كحديث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان».
وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه , دون هذا , والشواذ.
الإرشاد (1/218-219).

الأربعاء، 14 مايو 2014

بحث في حديث: «لتنتهكن الأصابع بالطهور، أو لتنتهكنها النار».

بحث في حديث: «لتنتهكن الأصابع بالطهور، أو لتنتهكنها النار».

قال الطبراني –رحمه الله- في "الأوسط":
2674 - حدثنا إبراهيم قال: نا شيبان بن فروخ قال: نا أبو عوانة، عن أبي مسكين، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنتهكن الأصابع بالطهور، أو لتنتهكنها النار».
لم يرو هذا الحديث عن أبي عوانة إلا شيبان.اهـ

شيخ الطبراني هو الوكيعي وثقه الدارقطني وسئل عنه عبد الله بن الإمام أحمد فأحسن القول فيه.
انظر تاريخ بغداد (6/491).

شيبان بن فروخ وثقه أحمد, وقال: أبو زرعة صدوق.
انظر تهذيب المزي (2785).

أبو مسكين هو الحر بن مسكين الأودي؛ قال عَبَّاس الدُّورِي، عَنْ يحيى بْن مَعِين : ثقة.
وَقَال أَبُو حاتم الرازي : لا بأس به .
الجرح والتعديل (3/277-278).

وقد روي عن أبي مسكين موقوفاً:
رواه عنه:
-سفيان الثوري كما أبي عبيد في "الطهور" (385) وكذلك عند عبد الرزاق (68) ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (9211).
-زائدة بن قدامة عند الطبراني في "الكبير" (9212).
-أبو الأحوص عند ابن أبي شيبة (86).

قال ابن أبي حاتم –رحمه الله- في "العلل":
186 - وسألت أبي عن حديث رواه زيد بن أبي الزرقاء ، عن سفيان الثوري، عن أبي مسكين ، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكه النار ؟
فسمعت أبي يقول: رفعه منكر .

وقال الدارقطني–رحمه الله- في "العلل" (5/282) :
«يرويه أبو مسكين الأودي- واسمه: الحر - عن هزيل، عن عبد الله، واختلف عنه؛ فرفعه زيد بن أبي الزرقاء، عن الثوري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وتابعه أبو عوانة من رواية شيبان ابن فروخ عنه، فرفعه أيضا. ورواه أصحاب الثوري، وأصحاب أبي عوانة، عنهما موقوفا. وكذلك رواه زائدة وزهير وأبو الأحوص، عن أبي مسكين موقوفا، وهو الصواب» .

وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/165) بعد أن ذكر كلام أبي حاتم السابق:
(وهو في جامع الثوري موقوف، وكذا في مصنف عبد الرزاق، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص، عن أبي مسكين موقوفا، وجاء ذلك عن علي وابن عمر موقوفا).

وقد تابع هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود رضي الله عنه على وقفه طلحة بن مصرف -رحمه الله- كما عند ابن أبي شيبة , قال :
91 - حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن عبد الله، قال: «خللوا بين أصابعكم بالماء قبل أن تحشوها النار».
ورواه أبو عبيد في "الطهور" (384) والطبراني في "الكبير" (9213).

وجاء عند أبي عبيد: عن طلحة بن مصرف، قال: حُدِّثتُ عن عبد الله بن مسعود.

وطلحة لم يدرك ابن مسعود.

فالصواب كما تقدم في هذا الحديث أنه موقوف على عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- ولا يصح مرفوعاً.

(فصل)
وقد روى الدارقطني –رحمه الله- في سننه (1/166) من حديث عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- مرفوعاً بلفظ : «خللوا بين أصابعكم، لا يخللها الله عز وجل يوم القيامة في النار».

أما حديث عائشة ففي سنده عمر بن قيس المعروف بسندل؛ متروك.
وأما حديث أبي هريرة ففي سنده يحيى بن ميمون؛ متروك كسابقه.
انظر "تهذيب المزي" (4297) و(6931).

(فصل)
وروي نحوه عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من قوله, وعن حذيفة -رضي الله عنه- كذلك, ويبحث في صحتها.
وكذلك نحوه عن الحسن -رحمه الله-.

انظر "المصنف" لابن أبي شيبة –رحمه الله- باب : في تخليل الأصابع في الوضوء (1/18-19).
وكذلك "المصنف" لعبد الرزاق (1/22-23).

(فصل)

والنهك أن تبالغ في العمل, وفي الحديث أي: ليبالغ في غسل ما بين أصابعه مبالغة يُنعِم غسله.

انظر "غريب الحديث" للحربي (2/598) و"تهذيب اللغة" للأزهري (6/16-17).

(فصل)
التخليل في الوضوء بعد دخول الماء خلال الأصابع مستحب عند جمهور الفقهاء, وذهب الحنابلة إلى أنه في أصابع الرجلين آكد، لأنه أبلغ في إزالة الوسخ من بين الأصابع.
وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى وجوبه في أصابع اليدين واستحبابه في أصابع الرجلين، وفي القول الآخر عندهم: يجب في الرجلين كاليدين.

بتصرف واختصار من الموسوعة الفقهية الكويتية (12/49-50).

قال ابن القيم في الزاد (1/189):
(وكذلك تخليل الأصابع لم يكن يحافظ عليه، وفي " السنن " عن المستورد بن شداد: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره» ، وهذا إن ثبت عنه فإنما كان يفعله أحيانا، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع وغيرهم، على أن في إسناده عبد الله بن لهيعة).

فلعل ما تقدم عن ابن مسعود وغيره من السلف يكون في معنى حديث: (ويل للأعقاب من النار).
فيحمل –والله أعلم- على تأكيد وجوب إيصال الماء إلى ما بين الأصابع ليتفق ذلك مع ترك الصحابة الذين رووا صفة وضوئه ذكر التخليل وهم في مقام التعليم كما أشار ابن القيم –رحمه الله-.

الأحد، 4 مايو 2014

بحث في حديث: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

بحث في حديث: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

روى الحاكم في "المستدرك" (163) –واللفظ له- والبزار في "المسند" (3351) وهو في "كشف الأستار" برقم (366) والحسين المروزي في "زوائد الزهد لابن المبارك" (1304) والطبراني في "الدعاء" (1876) وأبو نعيم في "الحلية" (7/227) والبيهقي في "الكبرى" (1781) وغيرهم من طرق عن عبد الجبار بن العلاء العطار، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر عن إبراهيم السكسكي، عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» .

وروي عن يحيى بن أبي بكير عن ابن عيينة:
رواه البزار (3350) عن محمد بن الوليد بن أبان عن يحيى.
ومحمد هذا كذاب.
انظر ترجمته في تاريخ الذهبي (6/203) وفي ميزانه (4/59).

وكذلك رواه ابن صاعد في "زوائد الزهد لابن المبارك" (1305) عن محمد بن إسحاق عن محمد بن حميد عن يحيى.
ومحمد بن حميد هو الرازي متهم بالكذب.
انظر ترجمته في تهذيب المزي (25/97).

فلا يصح عن ابن عيينة مرفوعاً إلا من رواية عبد الجبار عنه, قال البزار: والحديث إنما يعرف لعبد الجبار.

لكن قال الدارقطني: وروي عن محمد بن محمد بن إدريس الشافعي عن ابن عيينة نحوه.
فالله أعلم.

وقد رواه هارون بن معروف عن ابن عيينة موقوفاً على ابن أبي أوفى –رضي الله عنه- بلفظ: «خيار عباد الله الذين يحبون الله، والذين يحببون الله إلى عباده، الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة والنجوم لذكر الله».
كما عند ابن أبي الدنيا في الأولياء (28).

قال الحاكم عقب الحديث: «هذا إسناد صحيح، وعبد الجبار العطار ثقة وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي وإذا صح مثل هذه الاستقامة لم يضره توهين من أفسد إسناده».

إبراهيم السكسكي وإن روى له البخاري فقد لينه عامة الحفاظ:

فعن يحيى بن سعيد قال كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي وقال كان لا يحسن يتكلم.
وعنه قال: كان شعبة يطعن في إبراهيم السكسكي.
وقال أحمد بن حنبل: ضعيف.
وقال النسائي: ليس بذلك القوي، ويكتب حديثه.
وقال ابن عدي: ولم أجد له حديثا منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره، ويكتب حديثه كما قال النسائي.
وضعفه الدارقطني مرة, ومرة قال: تابعي صالح.
وذكره العقيلي، وأبو حفص بن شاهين، وأبو العرب القيرواني، في " جملة الضعفاء ".

وقد تفرد بهذا الحديث:
قال الساجي: تفرد بحديثه عن بن أبي أوفى مرفوعاً: «خير عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر».
ونحوه عن الدارقطني.

انظر الكامل لابن عدي (1/344) والجرح والتعديل للرازي (2/111) والضعفاء للعقيلي (50) وسؤالات الحاكم للدارقطني (269) وأطراف الأفراد والغرائب (3985) وتهذيب للمزي (201) والإكمال لمغلطاي (1/239) وتهذيب ابن حجر (246).

ولو فرضنا أنه ثقة فقد روى الحديث الأكثرون عن مسعر عنه عن أصحابه عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- موقوفاً عليه:

رواه عن مسعر على هذا الوجه:
-ابن المبارك كما في "الزهد" (1303) ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" (164).
-جعفر بن عون كما عند البيهقي في "الكبرى" (1782).
-وكيع بن الجراح كما في "الزهد" له (349) وعنه ابن ابي شيبة في المصنف (34603).
-محمد بن سابق كما في "المحبة لله" (101) لإبراهيم ابن الجنيد.

وقد قال أبو نعيم:
تفرد سفيان عن مسعر برفعه , ورواه خلاد وغيره عن مسعر موقوفاً.

وقال البزار:
وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن مسعر بهذا الإسناد إلا سفيان بن عيينة ... والصحيح الذي روي عن مسعر، عن إبراهيم، عن رجل، عن أبي الدرداء موقوفاً.

وانظر "نتائج الافكار" (1/314).

قال الحاكم بعد أن ساقه موقوفاً من طريق ابن المبارك: «هذا لا يفسد الأول ولا يعلله فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك ابن المبارك إلا أنه أتى بأسانيد أخر كمعنى الحديث الأول».

وهذا ليس بمُسلَّم له حتى فيما لو كان ابن المبارك وحده رواه عن مسعر موقوفاً, فما بالك وقد وافقه على روايته موقوفاً جماعة من الحفاظ؟

(فصل)
وقد رواه وكيع في "الزهد" (345) عن مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: «لئن شئتم لأقسمن لكم، إن أحب عباد الله إلى الله، الذين يحبون الله ويحببون الله إلى خلقه، ولئن شئتم لأقسمن لكم إن أحب عباد الله إلى الله رعاة الشمس والقمر يمشون في الأرض نصحاء».

ورواه الإمام أحمد في "الزهد" (770) عن هاشم بن القاسم عن مبارك به.

مبارك بن فضالة مدلس ولم يصرح بالسماع؛ انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (27/180).

والحسن عن أبي الدرداء مرسل؛ قاله أبو زرعة كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص44).

وقال ابن حبان في "ثقاته" ترجمة (11266) حدثنا أبو يعلى بالموصل قال ثنا أبو نصر التمار قال ثنا كوثر بن حكيم عن المجشر بن نافع عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: «إن شئتم لأقسمن ثم قال بالله الذي لا إله إلا هو إن أكرم عباد الله على الله الذين يراعون الشمس والقمر بالليل والنهار قالوا يا أبا الدرداء المؤذنون».

كوثر بن حكيم متروك الحديث ليس بشيء؛ انظر الكامل لابن عدي (7/217).

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "الأولياء":
36 - نا خلف بن هشام، نا حزم بن أبي حزم، قال: سمعت الحسن، يقول: إن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لئن شئتم لأقسمن لكم بالله، أن أحب عباد الله الذين يحببون الله إلى عباده، ويسعون في الأرض بالنصيحة».

ومتن هذه الرواية ليس فيه ذكر مراعاة الشمس والقمر, إضافة إلى أن الصحابي مبهم فلا يُدرى هل سمع منه الحسن البصري أم لا.

والخلاصة في حديث أبي الدرداء: أن المرفوع لا يصح, وتقوية الموقوف بالطرق السابقة فيه نظر.

(فصل)
وروى البيهقي نحوه موقوفاً على أبي هريرة –رضي الله عنه-, قال في "الكبرى":
1783 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث، أنا أبو محمد بن حيان، أنبأ ابن أبي عاصم ثنا محمد بن أحمد أبو يوسف، نا محمد بن سلمة عن واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة، قال: «ألا إن خيار أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لمواقيت الصلاة».

واصل بن أيوب الأسواري لم أقف له على ترجمة بعد طول بحث, بل لم أجده إلا في هذا السند!

وقال عبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده":
1438 - أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبان عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب عباد الله إلى الله، الذين يراعون الشمس والقمر».

أبان هو ابن أبي عياش؛ متروك.

(فصل)
وروى نحوه الطبراني في "المعجم الأوسط" عن أنس –رضي الله عنه-؛ قال:
4808 - حدثنا عبيد بن عبد الله بن جحش الأسدي قال: نا جنادة بن مروان الأزدي الحمصي قال: نا الحارث بن النعمان قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أقسمت لبررت، وإن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر يعني: المؤذنين، وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم».

ورواه ابن شاهين في "الترغيب" (561) والخطيب في "تاريخه" (3/314) من طريق جنادة بن مروان به.

وجنادة قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي, كما في الجرح والتعديل (2/516).

وشيخه الحارث بن النعمان منكر الحديث؛ قاله البخاري في "التاريخ الصغير" (62).
وانظر ترجمته في "تهذيب المزي" (5/291).

فالحديث من هذا الوجه منكر لا يصح.

والخلاصة -والله أعلم- أن الحديث لا يصح مرفوعاً بوجه من الوجوه, والموقوفات كذلك فمدارها على الهلكى والمجاهيل.

السبت، 3 مايو 2014

بحث في حديث: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن».

بحث في حديث: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن».

قال الإمام أحمد –رحمه الله- في "مسنده":
19772 - حدثنا يونس حدثنا أبو الأشهب عن علي بن الحكم عن أبي برزة الأسلمي, قال أبو الأشهب: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن».

قال البيهقي في "الزهد الكبير" ص165 بعد أن روى هذا الحديث:
«وهذا علي بن الحكم البناني ويقال له أبو الحكم وهو مرسل».

وقد نص محققو "المسند" (33/18) أن علي بن الحكم "لم يسمع من أبي برزة، ويحتمل أنه لم يدركه، فقد تقدمت وفاة أبي برزة في حدود سنة ستين أو أربع وستين، بينما تأخرت وفاة علي بن الحكم إلى سنة إحدى وثلاثين ومئة".
فيكون بين وفاتيهما ستة وستين عاماً على الأقل.

وهنا تنبيهان:
التنبيه الأول:
جاء الحديث عند البيهقي في "الزهد" من طريق الحسن عن أبي برزة:
371 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد، حدثنا عمر بن حفص، حدثنا عاصم، حدثنا أبو الأشهب العطاردي، عن الحسن، عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول .. الحديث.

وذكر الحسن هنا خطأ؛ والبيهقي يروي هنا من طريق أحمد بن عبيدالصفار من "مسنده", وقد رواه عن عمر بن حفص على الصواب؛ أحمد بن عبيد الصفار نفسه في موضع آخر في "مسنده" كما نص على ذلك البيهقي قال في "الزهد" ص164:
«وقال في موضع آخر من المسند حدثنا عمر بن حفص السدوسي حدثنا عاصم حدثنا أبو الأشهب العطاردي، عن أبي الحكم، عن أبي برزة وأخرجه من حديث يحيى ابن حماد، عن أبي الأشهب، عن أبي الحكم، عن أبي برزة».

وكذلك الطبراني كما في معجمه الصغير (511) وحبيب بن الحسن القزاز كما عند أبي نعيم في "الحلية" (2/32) .

وكذلك رواه –عن أبي الأشهب عن علي بن الحكم (إضافة ليونس وعاصم ويحيى بن حماد) يزيد بن هارون كما في "مسند أحمد" (19773) و (19787) والسنة لابن أبي عاصم (14) , وعبيد الله بن موسى كما في "الزهد" للبيهقي (372).

التنبيه الثاني:
جاء الحديث من رواية ابن الأشعث عن علي أبي الحكم عن أبي هريرة:
ففي الكنى للدولابي:
866 - حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا ابن الأشعث، عن علي أبي الحكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الأهواء».

ابن الأشعث يظهر أنه تصحف عن أبي الأشهب, وكذلك أبو هريرة تصحف عن أبي برزة؛ فالحديث لا يعرف إلا عن أبي برزة وهذا ما نص عليه الحافظ البزار حيث قال (9/308) :
وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي برزة بهذا الإسناد.

بحث في حديث: «التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة».

بحث في حديث: «التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة».

قال ابن ماجه –رحمه الله- في "سننه":
2139 - حدثنا أحمد بن سنان قال: حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا كلثوم بن جوشن القشيري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة».

ورواه الطبراني في "الأوسط" (7394) وقال:
لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلا كلثوم بن جوشن، تفرد به: كثير بن هشام.
ورواه الدارقطني في "سننه" (2812) وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (215)  وغيرهم من طرق عن كثير بن هشام.

وفي سنده كلثوم بن جوشن:
قال يحيى بن معين ليس به بأس.
ونقل ابن حجر أن البخاري وثقه, وقد ترجم له البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

لكن: قال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
وقال أبو داود: منكر الحديث.
وقال الأزدي: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: ممن يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات الموضوعات لا يحل الاحتجاج به بحال, وأورد حديثه عن أيوب.

انظر الجرح والتعديل للرازي (7/164) والتاريخ الكبير للبخاري (7/228) وتهذيب المزي (4986) وسؤالات أبي عبيد الآجري (1338) والمجروحين (905) والميزان (6968) وتهذيب ابن حجر (8/443).

ولو سلمنا أن خلاصة القول في هذا الراوي أنه صدوق حسن الحديث وليس ضعيفاً؛ فيجدر التّنبه إلى أن أيوب -رحمه الله- من المكثرين من الرواية والأصحاب, وفيهم من هو من جبال الحفظ وفرسان الإسناد, ولم يرو أحد منهم هذا الحديث عنه, فمن أين لمثل ابن جوشن أن ينفرد دونهم عن شيخهم؟! والذي لا يكاد يعرف إلا بهذا الحديث!

ومنهم: إسماعيل ابن علية وحماد بن زيد وشعبة بن الحجاج والثوري وعبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ووهيب بن خالد وغيرهم.
وانظر تهذيب المزي (607).

قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج -رحمه الله- في "مقدمة صحيحه" (1/6) :
«فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم».

فلا يعني أنّا كلما رأينا صدوقاً في إسناد قلنا هذا حديث حسن, وإذا رأينا ثقة قلنا حديث صحيح!

وقد أعل أبو حاتم الرازي -رحمه الله- هذا الحديث وقال: حديث لا أصل له!
قال ابن أبي حاتم في "العلل":
1156 - وسألت أبي عن حديث رواه كثير بن هشام عن كلثوم بن جوشن عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة؟

قال أبي: «هذا حديث لا أصل له، وكلثوم ضعيف الحديث».

وقد روى الترمذي (1209) والدارمي (2581) وعبد بن حميد "كما في المنتخب" (966) من طرق عن سفيان، عن أبي حمزة، عن الحسن، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء».

واختُلِف في تعيين أبي حمزة في هذا الإسناد:

فقال عبد الله الدارمي: أبو حمزة هذا هو صاحب إبراهيم، وهو ميمون الأعور .

وميمون هذا متروك, انظر ترجمته في "التهذيب" للمزي (6346).

وقال الترمذي: وأبو حمزة: اسمه عبد الله بن جابر وهو شيخ بصري.
وتبعه في تعيين أبي حمزة: ابن كثير في "التفسير" (2/312), والمزي في "التهذيب" (3195) وغيرهم.

وبأي حال فالحديث سنده منقطع بين الحسن وأبي سعيد:
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل":
130 - حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: قلت لعلي بن المديني: الحسن سمع من أبي سعيد الخدري؟ قال: لا, لم يسمع منه شيئاً, كان بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة استعمله عليها علي رضي الله عنه وخرج إلى صفين.

وقال عبد الله الدارمي: لا علم لي به إن الحسن سمع من أبي سعيد.

وقد روي عن أبي حمزة عن الحسن من قوله:
قال ابن أبي شيبة في "المصنف":
23089 - حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا مالك بن مغول، عن أبي حمزة، عن الحسن، قال: «التاجر الأمين الصادق مع الصديقين والشهداء»، قال: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: صدق الحسن، أو ليس في جهاد.

وفي قول أبي حمزة: "فذكرت ذلك لإبراهيم" دليل على صحة قول الدارمي في تعيين أبي حمزة أنه ميمون الأعور, إذ أنه من أصحاب إبراهيم ومعروف به, خلافاً للآخر.

فائدة:
قال إسماعيل التيمي في "الترغيب":
794- أخبرنا عبد السلام بن محمد ببغداد، أنبأ عبد الجبار بن أحمد قال: حدثني أبو بكر: محمد بن إبراهيم بن الحسن بن كوهة المؤذن بخان النجاد، ثنا أبو جعفر: محمد بن عمر أبو حفص الضرير، ثنا يحيى بن شبيب، ثنا حميد، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة».

هذا في سنده  يحيى بن شبيب:

قال ابن حبان: لا يحتج به بحال، يروي عن الثوري ما لم يحدث به قط.
قال الخطيب: روى أحاديث باطلة.
وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش وأبو نعيم: يروي عن الثوري، وَغيره أحاديث موضوعات.
انظر اللسان (8/450).

وقال الخلال في الحث على "التجارة":
65 - حدثني يحيى، أنبأ عبد الوهاب، أنبأ سعيد، عن قتادة، قال: «كنا نحدث أن التاجر، الصدوق الأمين مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة».

وهو عند الطبري في "تفسيره" (9144) بأتم من هذا.