الخميس، 28 أغسطس 2014

[باب ما يقول الرجل إذا دخل على أهله (زوجته)]

[باب ما يقول الرجل إذا دخل على أهله (زوجته)]

قال البخاري في «صحيحه» :
141 - حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره».

وقال صالح بن الإمام أحمد في «مسائله» :
923 - حدثني أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: تزوج وكان عبدا فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك، ثم قالوا له: «إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ برأس أهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقهم مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك».

ورواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17153) بنحوه.

أبو سعيد مولى أبي أسيد: له ترجمة في «الطبقات» لابن سعد (7/92/3008) وقال: روى عن عمر وعلي، و«الكنى» لمسلم (1/368/ 1356) وعده ابن مندة في الصحابة في كتابه «فتح الباب» (3202).

وقال عبد الرزاق:
10460 - عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل من بجيلة إلى عبد الله، فقال: إني قد تزوجت جارية بكراً، وإني قد خشيت أن تفركني، فقال عبد الله: «إن الإلف من الله، وإن الفرك من الشيطان، ليكره إليه ما أحل الله له، فإذا أدخلت عليك فمرها فلتصل خلفك ركعتين».
قال الأعمش: فذكرته لإبراهيم، فقال: قال عبد الله: «وقل: اللهم، بارك لي في أهلي، وبارك لهم في، اللهم ارزقني منهم، وارزقهم مني، اللهم، اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير».

وهو عند ابن أبي شيبة (17156) مختصر.

وقال محمد بن فضيل الضبي في «الدعاء» :
34 - حدثنا عبيدة، عن إبراهيم، قال: تزوجت، ولم يعلم إبراهيم، فأخبرته فقال: ألا أخبرتني حتى أعلمك كيف كانوا يصنعون.
فقلت: ألم أخبرك؟ قال: ما أخبرتني، إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يقربون نساءهم حتى تصلي المرأة خلف زوجها، فإن أبت أن تصلي خلفه، فصل أنت ركعتين، ثم قل: «اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي في، اللهم ارزقني منها، وارزقها مني، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير، وفرق بيننا إذا فرقت في خير».

عبيدة هو ابن معتب الضبي وهو سيء الحفظ وقد اختلط, ومن الطريف أنه من ضعف حفظه نسي أنه لم يخبر إبراهيم بزواجه!
وهو يحتمل في مثل هذا ثم هو قد توبع عليه كما سبق والله أعلم.

وقال ابن أبي شيبة:
29734 - حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن ابن أخي علقمة بن قيس، عن علقمة: أن ابن مسعود كان إذا غشي أهله فأنزل، فقال: «اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيباً».

ابن أخي علقمة بن قيس: إما أن يكون الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وكلاهما من أصحاب ابن مسعود الثقات والأول أسن من عمه علقمة.

وقال عبد الرزاق:
10467 - عن جعفر بن سليمان، عن هشام، عن الحسن قال: «يقال: إذا أتى الرجل أهله، فليقل: بسم الله، اللهم، بارك لنا فيما رزقتنا، ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا».
قال: فكان يرجى إن حملت أو تلقت أن يكون ولداً صالحاً.

وقال أبو داود في «سننه» :
2160 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن سعيد، قالا: حدثنا أبو خالد يعني سليمان بن حيان، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما، فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك».
قال أبو داود: زاد أبو سعيد: «ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم».

ورواه أيضاً عن ابن عجلان:
سفيان الثوري وروايته عن ابن ماجه (1918) وابن السني (600) والبيهقي في «الكبرى» (13838) وفي «الدعوات» (561)، وعبد العزيز بن محمد وروايته عند الطبراني في «الدعاء» (940)، ويحيى بن أيوب وروايته أيضاً في «الدعاء» (1309)، ويحيى بن سعيد وروايته عند النسائي في «الكبرى» (9998) والحاكم (2757) والبيهقي في  «الدعوات» (562) وسعيد بن أبي أيوب وروايته عند النسائي في «الكبرى» (10021).
وفي ألفاظهم اختلاف ينظر فيه.

وقد رواه ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة:
قال أبو يعلى الموصلي:
6610 - حدثنا داود بن عمرو، حدثنا حبان بن علي العنزي، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بنحوه مرفوعاً.

وكذلك رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (191) والطبراني في «الدعاء» (1308) ولوين في «جزئه» (70) وأبو الشيخ في « تاريخ أصبهان» (1/333) من طريق حبان بن علي وهو ضعيف.

وقال مالك في «الموطأ» :
52 - عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية، فليأخذ بناصيتها، وليدع بالبركة، وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه، وليستعذ بالله من الشيطان».

هذا مرسل.

وقال عبد الرزاق:
10464 - عن ابن جريج قال: قال الحسن: «يؤمر إذا أدخلت المرأة على زوجها بيته أن يأخذ بناصيتها فيدعو بالبركة».

وهذا فيه انقطاع بين ابن جريج والحسن.

الخميس، 14 أغسطس 2014

بيان علة حديث ابن عمر مرفوعاً: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا».

بيان علة حديث ابن عمر مرفوعاً: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا».

قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» :
2048 - حدثنا أبو إبراهيم محمد بن المثنى عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا».

ورواه عن أبي داود جماعة منهم أحمد بن حنبل وسلمة بن شبيب وأحمد الدورقي ويحيى بن موسى ومحمود بن غيلان وغيرهم.

ورواياتهم في «مسند أحمد» (2048) وفي «سنن أبي داود» (1271) وفي «جامع الترمذي» (430) وفي «صحيح ابن خزيمة» (1193) وغيرها.

وقوله: (عن أبيه) في الإسناد ذكره يونس بن حبيب راوي «المسند» عن أبي داود الطيالسي ولم يذكره من تقدم ذكرهم من الرواة عن أبي داود.

وقد أخرجه البيهقي في «سننه» (2/473) من طريق يونس بن حبيب بالوجه الأول، ثم قال: «كذا وجدته في كتابي!» ، ثم أخرجه من طريق «سنن أبي داود» دون ذكر أبيه، ثم قال: «هذا هو الصحيح ... وقول القائل في الإسناد الأول: «عن أبيه» : أراه خطأ، والله أعلم؛ رواه جماعة عن أبي داود دون ذكر أبيه، منهم: سلمة بن شبيب وغيره» . اهـ.
انظر حاشية كتاب «العلل» لابن أبي حاتم ط.الجريسي.

وإسناد هذا الحديث فيه محمد بن المثنى:
قال ابن معين: ليس به بأس وقال الدارقطني: بصري يحدث عن جده، لا بأس بهما.
«التهذيب» للمزي (5033).

لكن قال ابن أبي حاتم كما في «الجرح والتعديل» (8/78) :
سئل أبو زرعة عن محمد بن مسلم بن المثنى الذي يروي عن جده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم «من صلى قبل العصر»، فقال : هو واهي الحديث .

وفي «بيان الوهم والإيهام» (4/193) : وقال عمرو بن علي : روى عنه أبو داود الطيالسي أحاديث منكرة.
ولم يرضه يحيى القطان وهذا الحديث - كما ترى - هو من رواية أبي داود الطيالسي عنه، وقد ذكره أبو أحمد في جملة ما أورد مما أنكر عليه، وقال في بابه: إن حديثه يسير، لا يتبين به صدقه من كذبه.اهـ

عمرو بن علي هو الفلاس.
وأبو أحمد هو ابن عدي وانظر كتابه «الكامل» (7/484).

وقال الذهبي: لينه ابن مهدي.
واستنكر عليه هذا الحديث.
انظر «الميزان» (4/36/8168).

وقال ابن ابي حاتم في «العلل» :
322 - وسمعت أبي يقول: سألت أبا الوليد الطيالسي، عن حديث محمد بن مسلم بن المثنى، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال: «رحم الله من صلى قبل العصر أربعا»؟
فقال: دع ذي!
فقلت: إن أبا داود قد رواه.
فقال أبو الوليد: كان ابن عمر يقول: «حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات في اليوم والليلة ... » ، فلو كان هذا لعده.
قال أبي: يعني: كان يقول: حفظت اثني عشر ركعة.

بيان ضعف حديث: «إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء، وإذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء».

قال البزار في «مسنده» :
8567- حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا معاذ بن فضالة، قال: حدثني يحيى بن أيوب عن بكر بن عمرو، عن صفوان بن سليم قال بكر: حسبته، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء، وإذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء».
وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه.

ورواه كذلك المخلص كما في الثاني عشر من «المخلصيات» (65) والديلمي (ق108) وعبد الغني المقدسي في «أخبار الصلاة» (16) و (25) من طرق عن معاذ بن فضالة به.

وهذا الإسناد فيه عدة أمور موجبة لضعفه:

أولاً: بكر بن عمرو المعافري المصري:
قال أحمد بن حنبل: يروى له.
وقال أبو حاتم: شيخ.
قال الدارقطني: مصري، يعتبر به.
وقال مرة أخرى: ينظر في أمره.
«التهذيب» للمزي (750) «سؤالات البرقاني» (57) «سؤالات الحاكم» (288).

فمثل هذا الراوي لا يرقى إلى رتبة الاحتجاج بما ينفرد به فضلا عن أن يوصف بأنه: (من الثقات الأثبات)!
وأما قول من قال: (احتج به الشيخان) فليس بصواب:
فإن له في البخاري حديثاً واحداً في التفسير وهو حديثه عن بكير بن الأشج عن نافع عن بن عمر في ذكر علي وعثمان وهو متابعة وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى.
«الفتح» للعسقلاني (1/393).

وأما في مسلم فله –حسبما وقفت عليه- حديث واحد وقد توبع عليه.
انظر «صحيح مسلم» (1825) و (1826) و «رجال مسلم» لابن منجويه (153).

ثانياً: يحيى بن أيوب المصري:
قال البخاري صدوق وثقه ابن معين وأبو داود والفسوي والحربي وابن عدي وغيرهم ولكن:
قال أحمد بن حنبل: سيء الحفظ، وهو دون حيوة وسعيد بن أبي أيوب في الحديث.
وقال أبو حاتم محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال في موضع آخر: ليس به بأس.
وقال: عنده أحاديث مناكير، وليس هو ذاك القوي في الحديث .
وقال الدارقطني: في بعض أحاديثه اضطراب.
وقال الساجي: صدوق يهم.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال ابن سعد: منكر الحديث.
وذكره العقيلي في «الضعفاء» وقال: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا ابن علي، سمعت ابن أبي مريم، قال: حدثت مالكاً بحديث حدثنا به يحيى بن أيوب، عنه، فسألته عنه، فقال: كذب. وحدثته بآخر، فقال: كذب.
وذكره ابن عدي في «الكامل» وساق له بعض الأحاديث المنكرة.
وقال الإسماعيلى : لا يحتج به .
و قال أحمد بن صالح: كان يحيى بن أيوب من وجوه أهل البصرة، وربما خل فى حفظه.
وقال: له أشياء يخالف فيها.
وقال الساجي: صدوق يهم، كان أحمد يقول: يحيى ين أيوب يخطىء خطأ كثيراً.
وقال الحاكم أبو أحمد: إذا حدث من حفظه يخطىء، و ما حدث من كتاب فليس به بأس.

انظر «التهذيب» للمزي (6792) مع حواشيه و«تهذيب التهذيب» (11/187).

فلا أدري بعد النظر في ترجمته وكل ما قيل فيه؛ كيف يقال: (فيه كلام يسير لا يضر!).
فإن كان كل كلام هؤلاء الحفاظ وجرحهم الواضح المفسر له لا يضر؛ فيا ليت شعري فما الذي يضر؟
وكيف يقال عن قولهم فيه: (سيء الحفظ)، (يخطئ كثيراً)، (واهي الحديث)، (منكر الحديث)، (لا يحتج به)، (ليس بالقوي) .. أن هذا كلام يسير؟

ثالثاً: ذكر ابن يونس أنه قد حدث عنه الغرباء بأحاديث ليست عند أهل مصر عنه؛ وذكر عدة أحاديث وقال أنها ليست من حديثه بل هي من حديث ابن لهيعة.
وحديثنا هذا رواه عنه معاذ بن فضالة وهو بصري. انظر «التهذيب» للمزي (6034).

رابعاً: قد شك بكر بن عمرو في الحديث فقال: (حسبته، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم) وشكه هذا يدل على أنه لم يحفظ ولم يضبط حديثه.

خامساً: صفوان بن سليم من ثقات المدنيين المكثرين، وقد روى عنه مالك وهو مدني وابن عيينة وهو مكي وغيرهم من ثقات الحجازيين فأين هم عن هذا الحديث والذي فيه هذه السنة العزيزة؟

سادساً: هذا الحديث انفرد بإخراجه البزار في «مسنده المعلَّل الكبير» -كما أسماه الذهبي- دون أصحاب الكتب الستة ومالك وأحمد بل وابن خزيمة وابن حبان والدارمي والحاكم وغيرهم من أصحاب الكتب المشهورة.
والبزار كثيراً ما يخرج الحديث في «مسنده المعلل» لا ليحتج به ولكن لينبه على علته.

وقد ذكرابن كثير «مسند البزار» عند كلامه على المصنفات في علم العلل ثم قال: ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد. «اختصار علوم الحديث» (ص64).

وقال ابن رجب: ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل «مسند البزار»، و«معاجم الطبراني»، و«أفراد الدارقطني»، وهي مجمع الغرائب والمناكير. «شرح العلل» (2/624).

وانظر «تذكرة الحفاظ» للذهبي (2/166).

وأخيراً:
قال ابن رجب في «الفتح» (5/93) :
وقد ورد في فضله (يعني: صلاة الركعتين للداخل إلى منزله) أحاديث في أسانيدها نظر.
فخرج البزار في الأمر به، وأنه يمنع مدخل السوء: حديثاً عن أبي هريرة مرفوعاً، في إسناده ضعف.

وانظر كلامه على بقية الأخبار في هذا الباب.

قال عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد» :
1283 - أخبرنا معمر، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوج رجلٌ امرأةَ عبد الله بن رواحة، فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله بن رواحة، في بيته، فذكرت له شيئا لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، فإذا دخل داره صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين لا يدع ذلك أبدًا.
وكان ثابت لا يدع ذلك فيما ذكر لنا بعض من يخالط أهله، وفيما رأينا منه.

الأحد، 10 أغسطس 2014

في تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.

في تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.

قال الطبري في «تفسيره» (18/219) :
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}؛ قال: «واديًا في النار».

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}؛ قال: «نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر».

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، في قوله {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}؛ قال: «الغيّ: نهر جهنم في النار، يعذّب فيه الذين اتبعوا الشهوات».

عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه.
وهذه أسانيد جياد؛ والإنقطاع بين أبي عبيدة وأبيه في حكم الموصول كما نص عليه جمع من الحفاظ. وانظر هنا.

[ما هو الويل؟]

[ما هو الويل؟]

قال ابن أبي حاتم في «تفسيره»:
799 - حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض يقول: «ويل سيل من صديد في أصل جهنم».

وقال:
800 - حدثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، أنبأ ابن المبارك، أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: «الويل: واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من حرّه».

أبو عياض: هو عمرو بن الأسود، وهو من كبار التابعين، وكذلك عطاء بن يسار
، والإسنادان إليهما صحيحان.

السبت، 9 أغسطس 2014

بيان ضعف حديث: «سبع يجري أجرها للعبد بعد موته وهو في قبره من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».

بيان ضعف حديث: «سبع يجري أجرها للعبد بعد موته وهو في قبره من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».

روى البزار (7289) وابن خزيمة (2490) وابن أبي داود في «المصاحف» (815) وابن حبان في «المجروحين» (2/247) والأصبهاني في «الحلية» (2/343) -والسياق له- والبيهقي في «الشعب» (3175) من طرق عن أبي نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي، قال: ثنا محمد بن عبيد الله العرزمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري أجرها للعبد بعد موته وهو في قبره من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته».

وعند ابن أبي داود: (عن قتادة عن يزيد الرقاشي عن أنس).

وهذا إسناد واهٍ؛ فمحمد بن عبيد الله العرزمي متروك. انظر «تهذيب الكمال» (5434).

(فصل)
قال ابن ماجه في «سننه» :
242 - حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن وهب بن عطية قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا مرزوق بن أبي الهذيل قال: حدثني الزهري قال: حدثني أبو عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته».

ورواه البيهقي في «الشعب» (3174) من طريق محمد بن يحيى ولم يذكر (ومصحفاً ورثه).

تفرد بهذا الحديث عن الزهري مرزوق بن أبي الهذيل الثقفي أبو بكر الدمشقي:
قال أبو حاتم: سمعت دحيماً يقول: هو صحيح الحديث عن الزهري.
وقال أبو حاتم: حديثه صالح.
وقال أبو بكر بن خزيمة: ثقة.
وقال البخاري: تعرف وتنكر.
وقال أبو أحمد بن عدي: ما أعلم روى عنه غير الوليد بن مسلم، وأحاديثه يحمل بعضها بعضا، ويكتب حديثه.
وذكره ابن حبان في «المجروحين» وقال: ينفرد عن الزهري بالمناكير التي لا أصول لها من حديث الزهري, كان الغالب عليه سوء الحفظ فكثروهمه، فهو فيما انفرد من الاخبار ساقط الاحتجاج به, وفيما وافق الثقات حجة إن شاء الله.
وذكره العقيلي في «الضعفاء» وذكر حديثا خولف في سنده.
وذكر له الدارقطني في «العلل»حديثًا عن الزهري وهم فيه .

انظر «الضعفاء» للعقيلي (1795) و«المجروحين» (1086) و«العلل» للدارقطني (126) و«تهذيب الكمال» (5857) «تهذيب التهذيب» (10/86) وغيرها.

وتفرده عن الزهري بمثل هذا الحديث دون بقية أصحابه المعروفين يدفع القول بقبوله كما قال ابن حبان.

قال مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/6) :
«فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم».

فيقال: أين مالك وعبيد الله بن عمر ومعمر ويونس وعقيل وشعيب وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ومحمد بن الوليد الزبيدي وإبراهيم بن سعد والأوزاعي والليث والنعمان بن راشد وابن عيينة وغيرهم عن هذا الحديث؟

ولهذا المسلك في الإعلال نظائر عند أهل النقد أمثل له بعدة أمثلة ليتضح إن شاء الله:

مثال ذلك:
قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/494) :
أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران، قال: قرأت على أبي الحسين محمد بن طالب بن علي فأقر به، قال: سألت أبا علي صالح بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، فقال: قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره.
وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته كتاب «السبعة» عن أبيه وقال: أين كنا نحن من هذا؟!

مثال آخر:
قال ابن أبي حاتم في «العلل» :
886 - وسمعت أبي وذكر حديثا رواه قران بن تمام، عن أيمن بن نابل، عن قدامة العامري؛ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، يستلم الحجر بمحجنه.
فسمعت أبي يقول: لم يرو هذا الحديث عن أيمن إلا قران، ولا أراه محفوظاً، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحديث؟!

مثال آخر:
قال ابن أبي حاتم في «العلل» :
467 - وسألت أبي عن حديث رواه برد ابن سنان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يصلي، فاستفتحت الباب، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ففتح الباب، ومضى في صلاته.
قلت لأبي: ما حال هذا الحديث؟
فقال أبي: لم يرو هذا الحديث أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم غير برد، وهو حديث منكر، ليس يحتمل الزهري مثل هذا الحديث، وكان برد يرى القدر.

وأختم بكلام للحافظ الجوزجاني لعله يلقي الضوء على المسألة عموماً وعلى حديثنا خصوصاًَ:

قال الجوزجاني بعد كلامه عن أصحاب الزهري الثقات وبيان مراتبهم في تثبتهم من حديثه:
فما وجدت من حديث يحكى عن الزهري ليس له أصل عند هؤلاء فتأن في أمره.
وابن إسحاق روى عن الزهري إلا أنه يمضغ حديث الزهري بمنطقه حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه، وإبراهيم بن سعد صحيح الرواية من الزهري.
وذكر قوماً رووا عن الزهري قليلاً أشياء يقع في قلب المتوسع في حديث الزهري أنها غير محفوظة. منهم، برد بن سنان، وروح بن جناح، وغيرهما، انتهى كلام الجوزجاني.
«شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/674) وانظر ما قبله.

وهذه الأمثلة استفدتها من بحث لأحد الباحثين المعاصرين.


الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

بيان علة حديث: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».

بيان علة حديث: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».

قال الطبراني في «الأوسط» :
3960- حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: نا عباد بن يعقوب الأسدي قال: نا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن مطرف بن الشخير، عن حذيفة بن اليمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس.

وكذلك رواه من طريق عبد الله بن عبد القدوس الترمذي في «العلل» (633) وابن عدي في «الكامل» (5/329) والحاكم (317) ومن طريقه البيهقي في «المدخل» (455) والبزار (2969) والأصبهاني في «الحلية» (2/211).

وروي عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مصعب، عن أبيه به مرفوعاً:

رواه الشاشي في «مسنده» (75) ومن طريقه محمد المقدسي في «المختارة» (1068) ورواه الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (1/355) وأبو الشيخ في «الطبقات» (3/276) والحاكم (314) و(315) و(316) والبيهقي في «الآداب» (830) وفي «المدخل» (454) وفي «الزهد» (821) وغيرهم.

وروي عن أبي نوفل الكسائي عن الأعمش، عن أبي قلابة به مرفوعاً:
رواه أبو مسهر في «نسخته» (7) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (41/521).

وروي عن نوح بن أبي مريم عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان به مرفوعاً:
رواه ابن عساكر في «الأربعون البلدانية» (ص63).

ورواه أبو مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعاً.
رواه الدارقطني في «العلل» (10/146) ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (78).

ورواه المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم، عن جابر.
ذكره الدارقطني في «العلل» (4/319).

ورواه زهير بن حرب في كتاب «العلم»، قال:
13 - ثنا جرير، عن الأعمش، قال: بلغني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، أنه قال: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».

 ورواه الإمام أحمد في «الزهد» (1335) وابن أبي شيبة في«المصنف» (35600) ويعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/82) وابن سعد في «الطبقات» (7/103) وابن عبد البر في «الجامع» (104) والبيهقي في «المدخل» (457) من طرق عن قتادة عن مطرف به.

ورواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/397) ومن طريقه ابن عبد البر في «الجامع» (212) عن حميد بن هلال قال: سمعت مطرفاً به.
وقال الفسوي عقبه: ورواه قتادة وغيلان بن جرير عن مطرف مثله بمعناه.

وهذا الأخير هو الصواب عن الأعمش وهو الوجه الراجح عنه؛ وما سبق إنما هي أغلاط عليه ومن تخاليط الرواة عنه وليست شواهد يتقوى الحديث بها!

فعبد الله بن عبد القدوس رافضي ضعيف.
ونوح بن أبي مريم كذاب.
وأبو مطيع البلخي متروك.
والمسيب بن شريك متروك.
وحمزة الزيات ليس من أصحاب الأعمش المعروفين.
وأبو نوفل مثله وقيل فيه ليس بالمشهور ويغرب.

والتفرد عن الأعمش إنما يقبل من ثقات أصحابه المعروفين، وما أكثرهم؛ فمن الرواة عنه:
أبو إسحاق الفزاري وجرير بن حازم وجرير بن عبد الحميد وحفص بن غياث وأبو أسامة وزائدة والثوري وابن عيينة وأبو الأحوص وشعبة وعلي بن مسهر وعيسى بن يونس وأبو نعيم وابن فضيل ووكيع والقطان، ويعلى الطنافسي وأبو بكر بن عياش وأبو عوانة وأبو معاوية الضرير وغيرهم كثير.

قال مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/6) :
«فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم».

فما قيل في الزهري وهشام بن عروة يقال في الأعمش.

هذا وقد رجح المقطوع على مطرف من قوله عدد من الحفاظ:

قال الترمذي في «العلل» : سألت محمداً (يعني البخاري) عن هذا الحديث (يعني حديث حذيفة) فلم يعد هذا الحديث محفوظاً، ولم يعرف هذا عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال البزار في «المسند» : وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه (يعني حديث حذيفة)، وإنما يعرف هذا الكلام من كلام مطرف، ولا نعلم رواه، عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس، ولم نسمعه إلا من عباد بن يعقوب.

وقال البيهقي في «المدخل» : هذا الحديث يروى مرفوعاً بأسانيد ضعيفة وهو صحيح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير.

وفي «العلل» للدراقطني:
591- وسئل عن حديث مصعب بن سعد، عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه؛
فرواه حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مصعب بن سعد، عن سعد.
وخالفه عبد الله بن عبد القدوس، فرواه عن الأعمش، عن مطرف بن الشخير، عن حذيفة.
ورواه أبو مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وقيل: عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
وقال المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم، عن جابر.
وليس يثبت من هذه الأسانيد شيء، وإنما يروى هذا عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله.

1935- وسئل عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه؛
فرواه مالك بن وابض، عن أبي مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وخالفه عبد الله بن عبد القدوس، رواه عن الأعمش، عن مطرف بن عبد الله الشخير، عن حذيفة.
وخالفه حمزة الزيات، واختلف عنه؛
فرواه سعيد بن زكريا المدائني، عن حمزة، عن الأعمش، عن مصعب بن سعد، وقال غيره عن حمزة، عن الأعمش، عن رجل، عن مصعب بن سعد، عن سعد، وقال المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، ولا يصح منها شيء.
والصحيح أنه من قول مطرف بن الشخير.

ولا ينقضي العجب ممن يخرج الحديث من هذه المصادر ويقف على كلام هؤلاء الحفاظ في إعلال هذا الحديث ثم يتجاهله ويمضي ويحسن الحديث أو يصححه!

(فصل)

قال هناد في «الزهد» (2/465) :
حدثنا ابن فضيل، عن أبان، عن الحسن، وابن سيرين قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة , وخير دينكم الورع».

هذا فضلاً عن أنه مرسل فهو من طريق أبان بن أبي عياش وهو متروك.

وقال وكيع في «الزهد» :
222 - حدثنا سفيان، عن عمرو بن قيس الملائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وملاك دينكم الورع».
ومن طريق وكيع رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (26115) وابن أبي الدنيا في «الورع» (ص44) وابن عبد البر في «الجامع» (96).

وهذا معضل فعمرو بن قيس يروي عن التابعين.

(فصل)

قال أبو الشيخ في «أمثال الحديث» :
203 - حدثنا حسن بن هارون، ثنا محمد بن بكار، ..... عن عبد الله بن العلاء، عن مكحول، عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العمل، ورأس الدين الورع».

وقع سقط في المطبوع في هذا السند؛ قال المحقق:
 نسي الناسخ كتابة سند هذا الحديث فكتبه على الهامش بخط لا يقرأ فأثبت هنا ما تمكنت من قراءته.

وهو إضافة لذلك سند منقطع فمكحول لم يلق عبادة رضي الله عنه.
قال أبو داود عن مكحول: لم ير عبادة بن الصامت. «جامع التحصيل» (ص285).

(فصل)

قال يحيى الشجري كما في «ترتيب الأمالي» :
297 - أخبرنا الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل الحافظ، إملاء بقزوين، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الهمذاني، قال: حدثنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، بهمذان، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا روح بن عبد الواحد، قال: حدثنا الليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وملاك دينكم الورع، وفضل العالم على العابد كفضلي على أمتي».

حفص بن عمر لم أهتد لتعيينه.
وروح بن عبد الواحد قال عنه أبو حاتم: ليس بالمتقن روى أحاديث فيها صنعة. «الجرح والتعديل» (3/499). وهو يروي عن ليث بواسطة.
وليث بن أبي سليم ضعيف مضطرب الحديث وكان اختلط.
وسيأتي الحديث من طريق ليث عن مجاهد عن ابن عمر بلفظ آخر.

(فصل)

هذا وقد روي نحوٌ من هذا الحديث بألفاظ مختلفة عما سبق وهي لو صحت لما ساغ أن تجعل في شواهد الخبر السابق لاختلاف ألفاظها, لكن أسوقها من باب الفائدة ولبيان ما فيها من ضعف:

قال ابن عبد البر في «الجامع» :
100 - وحدثني خلف بن القاسم، نا ابن السكن، ثنا أحمد بن محمد بن هارون الربعي بالبصرة قال: حدثني صهيب بن محمد بن عباد، ثنا بشر بن إبراهيم، ثنا خليفة بن سليمان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم خير من العبادة وملاك الدين الورع».

هذا في سنده بشر بن إبراهيم الأنصاري: كذاب.
انظر «الكامل» (2/167) و«الميزان» (1/311).

(فصل)

قال ابن عدي في «الكامل» (4/534) :
حدثنا أحمد بن عبد الله بن سالم أبو المنبه الباجري، حدثنا أبي، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا سوار بن مصعب، حدثنا ليث بن أبي سليم عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم أفضل من العبادة وملاك الدين الورع».

ورواه من طريقه ابن الجوزي في «العلل» (77) ورواه الطبراني في «الكبير» (11/38/10969)  وابن عبد البر في «الجامع» (101) والخطيب في «التاريخ» (6/124) وغيرهم.

وفي سنده سوار بن مصعب وهو متروك منكر الحديث.
انظر «الميزان» (2/246).

(فصل)

قال البيهقي «الشعب» :
5367 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي إملاء، أنا أبو بكر محمد بن علي بن أيوب بن سلمويه، ثنا محمد بن يزيد السلمي، ثنا حفص بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن عبد الملك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل أوحى إلي أنه من سلك مسلكا في طلب العلم: سهلت له طريق الجنة، ومن سلبت كريمتيه: أثبته عليهما الجنة، وقصد في علم خير من فضل في عبادة، وملاك الدين الورع».

ورواه ابن حبان في «المجروحين» (955) وابن عدي في «الكامل» (7/353) في ترجمة محمد بن عبد الملك الأنصاري إلا أنه رواه عن الزهري عن عروة به.

ومحمد بن عبد الملك هذا كذاب يضع الحديث.
وانظر «اللسان» (7/314).

(فصل)

قال الطبراني في «الكبير» (13/73) :
13706 - حدثنا الوليد بن حماد الرملي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا خالد بن أبي خالد الأزرق السلمي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الشعبي، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع» .

ورواه كذلك في «المعجم الأوسط» (9264) و«الصغير» (1114).

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف سيء الحفظ كثير الوهم ليس بحجة.
انظر «التهذيب» (5406).

ورواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/114) قال: أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر حدثنا طاهر بن محمد بن سهلويه النيسابوري نا أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن سعيد الزاهد الجلودي نا إسحاق بن عبد الله الخشك نا حفص -يعني ابن عبد الله- نا المعلى عن محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي عن ابن عمر به مرفوعاً.

وفيه ابن أبي ليلى تقدم, والراوي عنه المعلى هو ابن هلال -فيما ظهر لي- وهو كذاب.
انظر «التهذيب» (6102).

وروي بإسناد آخر:
قال القضاعي في «مسند الشهاب» :
1290 - أخبرنا أبو عبد الله، محمد بن الحسن الناقد، أبنا أبو عبد الله، أحمد بن محمد الخياش، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا محمد بن آدم، ثنا معلى، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، وابن عباس به مرفوعاً.

معلى كذاب كما تقدم.
وليث بن أبي سليم تقدم.

وقال الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/113) :
أخبرني أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقرئ النقاش نا الحسن بن منصور الرماني نا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا بقية عن إسماعيل الكندي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل العبادة الفقه».

بقية يدلس عن الضعفاء ولا يبعد أنه دلسه عن معلى بن هلال.
وإسماعيل الكندي ترجمه الذهبي في «الميزان» (1/235) وقال: عن الأعمش وعنه بقية بخبر عجيب منكر.
وفيه ليث بن أبي سليم تقدم.

والخلاصة أنه لا يصح شيء مما تقدم سوى ما جاء عن مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله من قوله وباقي الطرق إما منقطعات وإما مدارها على الكذابين والمتروكين والضعفاء والله أعلم.