الخميس، 2 يناير 2014

بعض مخالفات الذهبي في كتابه السير وغيره من كتبه

بعض مخالفات الذهبي في كتابه السير وغيره من كتبه

للذهبي في سيره وغيرها من كتبه كثير من المخالفات قد نبه عليها العلماء ومن أعظمها:
1- القول بجواز التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحل إليه.
قال في السير 4/484: (من زاره - صلوات الله عليه - وأساء أدب الزيارة، أو سجد للقبر، أو فعل ما لا يشرع، فهذا فعل حسناً وسيئاً، فيعلم برفق، والله غفور رحيم.
فوالله ما يحصل الانزعاج لمسلم، والصياح وتقبيل الجدران، وكثرة البكاء، إلا وهو محب لله ولرسوله، فحبه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار، فزيارة قبره من أفضل القرب، وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء، لئن سلمنا أنه غير مأذون فيه لعموم قوله - صلوات الله عليه -: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".
فشد الرحال إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم-مستلزم لشد الرحل إلى مسجده، وذلك مشروع بلا نزاع، إذ لا وصول إلى حجرته إلا بعد الدخول إلى مسجده).

وقال في معجم شيوخه 1/73: (سئل أحمد بن حنبل عن مس القبر النبوي وتقبيله، فلم ير بذلك بأسا! ... فإن قيل: فهلا فعل ذلك الصحابة؟ قيل: لأنهم عاينوه حيا وتملوا به وقبلوا يده وكادوا يقتتلون على وضوئه واقتسموا شعره المطهر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه، ونحن فلما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل ... وهذه الأمور لا يحركها من المسلم إلا فرط حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ... ألا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: «لا» فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير، لا سجود عبادة .. وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا، بل يكون عاصيا فليعرف أن هذا منهي عنه، وكذلك الصلاة إلى القبر).

قلت: ما نقله عن الإمام أحمد من جواز مس وتقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح عنه وقد توارد على مثل هذا النقل غير واحد ممن يجيز شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك بالقبور وأهل العلم يردون هذا النقل ويضعفونه.
ومن ذلك قال الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله في تعقبه على ابن حجر العسقلاني في نقله عن الإمام أحمد جواز تقبيل المنبر والقبر فقال:
(أما ما نقله عن الإمام أحمد رحمه الله من أنه لم ير باساً بتقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبره فهذا لا صحة له بل هذا مما يقطع بكذبه لأنه رحمه الله كان شديد التحري في الاتباع والبعد عن الابتداع ولكن لجلالته وإمامته في الدين وكونه مرضي عند الموافق والمخالف وحجة فيما يفعله لسعة اطلاعه واتباعه للسنن وكثيراً ما يروج بعض المبتدعين بدعهم بنسبتها إليه أو لغيره من الأئمة المقتدى بهم).

قلت: وفي كلام الذهبي هذا كثير من المخالفات لعقيدة أهل السنة والجماعة وهذه من المسائل التي نص الذهبي على أنه يخالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية! فقال في ترجمته لابن تيمية: (مع أني مخالف له في مسائل أصلية وفرعية!) فهذه بعض مسائل الأصول التي خالفه فيها وكذلك ما سيأتي.

قال ابن تيمية في جامع المسائل (المجموعة الثالثة/ ص45) :
(وكذلك التمسح بالقبور - كاستلامها باليد وتقبيلها بالفم- منهي عنه باتفاق المسلمين، حتى إنهم قالوا فيمن زار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه لا يستلمه بيده ولا يقبله بفمه).
وانظر مجموع الفتاوى 27/136.

وقال في اقتضاء الصراط المستقيم 2/270: (ولم يرخصوا في التمسح بقبره).

2- قول الذهبي: إن الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين مستجاب!
-فقال في السير 9/343 معلقاً على قول بعضهم: (قبر معروف [يعني الكرخي] الترياق المجرب). قال: (يريد إجابة دعاء المضطر عنده لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء ..).
-وقال في ترجمة نفيسة بنت الحسن 10/107: (والدعاء مستجاب عند قبرها بل وعند قبور الأنبياء والصالحين وفي المساجد وعرفة ومزدلفة وفي السفر المباح وفي الصلاة ..). إلخ.
-وقال في 17/77: (والدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والأولياء وفي سائر البقاع ..).
-وفي ترجمة ابن فورك الأشعري 17/215 قال: (قال عبد الغافر في "سياق التاريخ": الأستاذ أبو بكر قبره بالحيرة يستسقى به).
قلت: هذا من الشرك ولم يتعقبه بشيء!

3- تعقبه لكبار أئمة السلف وأهل السنة فيما اتفقوا على القول به والإنكار على من خالفهم فيها ومن أمثلة ذلك:
أ) إنكاره عليهم زيادة لفظة (بذاته) في النزول والمجيء وغيرها.
قال 20/331: (وكذا قوله: {وجاء ربك} [الفجر: 22] ، ونحوه، فنقول: جاء، وينزل وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت، ولا نتفاصح على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعبارات مبتدعة).
وقد تقدم (ص121) كلام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله في هذه المسألة.

ب) إنكاره على أئمة أهل السنة إثباتهم الحد لله تعالى واعتبار ذلك من فضول الكلام المنهي عنه وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
فقال 20/86: (الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص ولو فرضنا أن المعنى صحيح ..). وانظر 16/87.
قلت بل الصواب فيه مع أئمة أهل السنة وقد ذكرتهم بأسمائهم (ص121,122).

4-لينه مع أهل البدع في تراجمه لهم. ومن ذلك:
أ) قال 8/301 في ترجمة عبد الوارث بن سعيد: (وكان عالماً مجوداً من فصحاء أهل زمانه ومن أهل الدين والورع إلا أنه قدري مبتدع!)

ب) في ترجمة عمرو بن عبيد القدري الذي لعنه الإمام مالك رحمه الله وكفره الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السنة قال 6/104: (الزاهد العابد القدري).

جـ) وقال في 15/576: ابن أبي دارم الإمام الحافظ الفاضل التميمي الكوفي الشيعي! ... كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة إلا أنه يترفض قد ألف في الحط على بعض الصحابة! وهو مع ذلك ليس بثقة في النقل!)
قلت: ومع ذلك وصفه بالإمامة والفضل والمعرفة!

د) قال في 17/588 في ترجمة علي بن حسين بن موسى: (العلامة الشريف المرتضى نقيب العلوية ... وكان من الأذكياء الأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد - نسأل الله العفو).
قلت: ومع ذلك وصفه بأنه من الأولياء الأذكياء.

ه) وقال في 21/160 وهو يتكلم عن عن صاحب الطريقة الرفاعية: (الرفاعي الإمام القدوة العابد الزاهد شيخ العارفين!!)

و) وقال في 19/539: (ابن تومرت الشيخ الإمام الفقيه الأصولي الزاهد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، المصمودي ، الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي ... ذا هيبة ووقار، وجلالة ومعاملة وتأله، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن، وقهروا الملوك ..).
قلت: أطال في ترجمته وذكر فيها كثيراً من مخازيه التي تتنافى أن يصفه معها بأنه: (الشيخ) (الإمام) (الزاهد) (ذا هيبة وتأله انتفع به خلق)! إلى آخر تلك المدائح.

ثم قارن بين هذه الترجمة وبين ترجمة ابن القيم لهذا الرجل حتى ترى الفارق.
قال ابن القيم رحمه الله في المنار المنيف ص153:
(أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل فقتل النفوس وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم وكان شرا على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير.
وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء يأمرهم أن يقولوا للناس إنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم يردم عليهم ليلا لئلا يكذبوه بعد ذلك وسمي أصحابه الجهمية الموحدين نفاة صفات الرب وكلامه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان وتسمى بالمهدي المعصوم).

ز) وقال في 19/322: (الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان ..) ثم قال بعد هذا الثناء العاطر: (... لم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل! وحبب إليه إدمان النظر في كتاب: "رسائل إخوان الصفا"! وهو داء عضال وجرب مرد وسم قتال ولولا أن أبا حامد من كبار الأذذكياء وخيار المخلصين لتلف!!).
ثم سرد كثيراً من أقواله الكفرية التي أخذت عليه ثم قال الذهبي: (الغزالي إمام كبير وما من شرط العالم أنه لا يخطئ)!
قلت: وهل من شرط العالم أن لا يكفر ولا يبتدع ولو وقع في الكفر والبدعة فمن أين له هذه العصمة؟ وانظر إلى موقف السلف من أئمة أهل البدع الذين كفروهم وبدعوهم تجد كثيراً منهم قد كانوا من أهل العلم ولكنهم لما خالفوا السنة والاعتقاد سقطوا ولم يبالوا بهم.

والأعجب من هذا كله: أن يعده من المجددين للدين في القرن الخامس الهجري! كما في السير 14/203 فهل يكون من المجددين مع قوله فيه: (لم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية وحبب إليه إدمان النظر في كتاب: "رسائل إخوان الصفا" .. إلخ).

قلت: قد كان ابن تيمية يعد الغزالي في كثير من كتبه جاهلاً بآثار السلف ليس له معرفة ولا تمييز بين الحديث الصحيح من الحديث الواهي المكذوب وكتب الغزالي أصدق شاهد على ذلك فإن فيها العجائب وهو يعد في علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم من العوام.
انظر "مجموع الفتاوى" 4/71 وانظر في هذا الكتاب (ص176 و245 و298).

وقد تعقب الشيخ سليمان بن حمدان السيوطي في جعله للغزالي مجدداً فقال: (وقد خلط السيوطي في نظمه على عادته في التخليط في كلامه فإن بعض من ذكرهم قد أحدثوا في الدين أصولاً مبتدعة تنافي الدين فضلاً عن أن يكونوا مجددين .. فالغزالي خاض مع الفلاسفة وألف كتابه: "تهافت الفلاسفة" في الرد عليهم  ولكنه وقع فيما وقعوا فيه فلا للإسلام نصر ولا لأعدائه كسر). [ملاحظاتي حال مطالعاتي ص46].

وقال الذهبي عن "الإحياء": (أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً).

قلت: قارن بين قوله: (فيه خير كثير) وبين قول الطرطوشي: (شحن أبو حامد الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم كتاباً على بسيط الأرض أكثر كذباً منه ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني "رسائل إخوان الصفا" وهم قوم يرون النبوة مكتسبة وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق ...).
ثم ذهب الطرطوشي إلى القول بإحراق كتاب "الإحياء" حتى لا يتأثر أحد بسمومه ولا يعتقد أحد صحة ما فيه من الضلال. انظر السير 19/334.
وقال عياض: ( .. ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتثل ذلك ..). السير 19/327.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن فيمن قرأ على الناس كتاب "الإحياء":
( .. وأسمعتهم ما في "الإحياء" من التحريفات الجائرة والتأويلات الضالة الخاسرة والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين والفلسفة في أصل الدين .. وقد سلك في الإحياء طريق الفلاسفة والمتكلمين في كثير من مباحث الإلهيات وأصول الدين وكسا الفلسفة لحاء الشريعة .. بل أفتى بتحريقها علماء المغرب ممن عرف بالسنة وسماها كثير منهم: إماتة علوم الدين ..). إلخ.

حـ) وقال 15/426: (الكرخي الشيخ الإمام الزاهد مفتي العراق شيخ الحنفية! وكان من العلماء العباد .. ووقع في النفوس ومن كبار تلامذته أبو بكر الرازي! وكان رأساً في الاعتزال الله يسامحه!).

ط) وقال في 20/151: (الزمخشري العلامة كبير المعتزلة .. وكان داعية إلى الاعتزال الله يسامحه).
قلت: كذا وصفه بالعلامة ثم دعا الله بأن يسامحه على اعتزاله وتعديه على الله تعالى بإنكار صفاته والقول بخلق القرآن وغيرها من ضلالاته.
ثم قارن بين هذا الدعاء وبين قوله في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه:
قال: في 3/133: (غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً منه بكثير  وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله .. وله هنات وأمور والله الموعد)!
وليته تلطف مع هذا الصحابي الجليل وقال: (الله يسامحه) كما قال في الزمخشري إمام المعتزلة!

ي) وقال 18/176: (ثابت بن أسلم العلامة أبو الحسن الحلبي فقيه الشيعة ... فرحم الله هذا المبتدع! الذي ذب عن الملة والأمر لله).

قال ابن تيمية في "المنهاج" 2/93: (وهذه كتب المسلمين التي ذكر فيها زهاد الأمة ليس فيهم رافضي وهؤلاء المعروفون في الأمة بقول الحق وأنه لا تأخذهم في الله لومة لائم ليس فيهم رافضي كيف والرافضي من جنس المنافقين مذهبه التقية).

قلت: ولم يرض السبكي الأشعري هذا المنهج من شيخه الذهبي في جمعه بين من رماهم بالبدعة بأنه صاحب دين وورع! كما في ترجمة ابن فورك الأشعري في "طبقات الشافعية" 4/133 فقد قال: (قال شيخنا الذهبي: كان ابن فورك رجلاً صالحا. ثم قال: وكان مع دينه صاحب فلتة وبدعة.
قال السبكي: وأما قول الذهبي: (إنه مع دينه صاحب فلتة وبدعة) فكلام متهافت فإنه يشهد بالصلاح والدين لمن يُقضى عليه بالبدعة! ثم ليت شعري ما الذي يعني بالفلتة؟ إن كانت قيامه في الحق كما نعتقد نحن فيه فتلك من الدين وإن كانت في الباطل فهي تنافي الدين).

قلت: ومع مدحه لأئمة أهل البدع كان يغمز أئمة أهل السنة في شدتهم لمن وقع ببدعة.
ففي ترجمة علي بن الجعد 10/465: (قال العقيلي: قلت لعبد الله بن أحمد: لِمَ لَمْ تكتب عن علي بن الجعد؟ قال: نهاني أبي أن أذهب إليه وكان يبلغه عنه أنه يتناول الصحابة.
وقال فيه مسلم: هو ثقة لكنه جهمي.
وقلت: ولهذا منع أحمد بن حنبل ولديه من السماع منه.
وقد كان طائفة من المحدثين يتنطعون في من له هفوة صغيرة تخالف السنة وإلا فعلي إمام كبير حجة).

قلت: فهل من وصف بالجهمية أو بالطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال فيه: (له هفوة صغيرة)؟! بل ويوصف من حذر من الأخذ عنه بأنه متنطع!
قلت: ولم يقتصر الأمر على الثناء على أئمة أهل البدع والدعاة منهم بل تعدى إلى الثناء على أهل الغناء والرقص.

ك) فقال 10/187 في ترجمة علية بنت المهدي وأخت الرشيد .. العباسية أديبة شاعرة عارفة بالغناء والموسيقى! رخيمة الصوت! ذات عفة! وتقوى! ومناقب).
قلت: كيف تجتمع التقوى والعفة مع الغناء والموسيقى؟!

5- التوسع في اعتبار كثير من طعون أهل السنة في مخالفيهم في الاعتقاد أنه من باب الطعن في الأقران الذي يطوى ولا يقرأ.
ومن أمثلة ذلك:
- طعن الإمام أحمد في هشام بن عمار لما تكلم في مسألة اللفظ وقال: (لفظ جبريل ومحمد بالقرآن مخلوق). فقال أحمد: (أعرفه طياشاً قاتله الله .. وقال: هذا قد تجهم).
وأنكر عليه الإمام أحمد رحمه الله قوله كذلك: (الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه). فقال: هذا جهمي, الله تجلى للجبال وهو يقول تجلى لخلقه بخلقه! إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة).

فقال الذهبي في الميزان 4/304 معلقاً على ما وقع بين الإمام أحمد وهشام بن عمار: (وما زال العلماء الأقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب اجتهادهم وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

- ومن ذلك قوله كذلك 17/462: (وقد كان أبو عبد الله بن منده يقذع في المقال في أبي نعيم لمكان الاعتقاد المتنازع فيه بين الحنابلة وأصحاب ابي الحسن [يعني الأشعري] ونال أبو نعيم أيضاً من أبي عبد الله في تاريخه وقد عرف وهن كلام الأقران المتنافسين بعضهم في بعض).

وعلى ذلك سار في كثير من تراجم أهل البدع الذين تكلم فيهم أهل السنة من أجل بدعهم الاعتقادية فاعتبره من كلام الأقران الذي يطوى ولا يقرأ!

6- تهوينه من شأن الإرجاء والمرجئة واعتبار الخلاف بينهم وبين أهل السنة خلافاً لفظياً فقط!
فقال 5/233: (إرجاء الفقهاء وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان ويقولون الإيمان الإقرار باللسان ويقين في القلب والنزاع على هذا لفظي إن شاء الله).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على "شرح الطحاوية": (وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظياً بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة والله المستعان).

ومن تهوينه كذلك من بدعة الإرجاء والمرجئة: مطالبته بترك التحامل على المرجئة وترك تبديعهم والتحذير منهم لأن بعض من انتسب إلى العلم كان منهم فهو يقول معلقاً على قول السليماني: (كان من المرجئة: مسعر وحماد بن أبي سليمان والنعمان وعمرو بن مرة وعبد العزيز بن أبي رواد وأبو معاوية وعمرو بن ذر .. وسرد جماعة).
قال الذهبي في الميزان 4/99: ولا عبرة بقول السليماني ... ثم ذكره وقال: (الإرجاء مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قائله)!
قلت: كيف وقد أجمع السلف على ذم الإرجاء والمرجئة وحذروا منهم ومن مجالستهم واعتبروا الإرجاء بدعة من أصول البدع والتي هي: (الإرجاء والخروج والقدر والشيعة).

قال الآجري في "الشريعة" 2/676: (باب في المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء).
وذكر فيه إجماع السلف على ذمهم ومن ذلك قول الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من هذه يعني: الإرجاء.
وقول النخعي: المرجئة أخوف عندي على الإسلام من عدتهم من الأزارقة يعني: الخوارج.
وقد عقد أئمة أهل السنة في مصنفاتهم في الاعتقاد الأبواب الكثيرة في ذم الإرجاء والتحذير منه ومن أئمتهم.

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 7/507 وهو يتكلم عن أئمة المرجئة: (السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم وتغليظ القول فيهم).

قلت: هذه التنبيهات على بعض ما في "سير أعلام النبلاء"! وغيرها من مصنفات الذهبي من الأخطاء التي نبه عليها أهل العلم ومن هذه الأخطاء وغيرها يتبين سبب قول الشيخ ابن باز رحمه الله لما سئل عنه فقال فيه: (الذهبي ليس من أهل الفقه الذهبي ما هو من أهل البصيرة الذهبي عالم من علماء الوسط يعتني بمصطلح الحديث). [شريط "الدمعة البازية" آخر الوجه الثاني].
وهناك الكثير من أقوال الذهبي تحتاج على بسط وتعليق ليس هاهنا مكان بسطها والله أعلم.
[منقول من كتاب الاحتجاج بالآثار السلفية ص306-313]