الخميس، 1 سبتمبر 2016

[جواز التفدية بالأبوين ]

[ جواز التفدية بالأبوين ]

قال البخاري في «صحيحه» :
324 - حدثنا محمد هو ابن سلام، قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن حفصة، قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة، فنزلت قصر بني خلف، فحدثت عن أختها، وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وكانت أختي معه في ست، قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين»، فلما قدمت أم عطية، سألتها أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بأبي، نعم، وكانت لا تذكره إلا قالت: بأبي، سمعته يقول: «يخرج العواتق وذوات الخدور، أو العواتق ذوات الخدور، والحيض، وليشهدن الخير، ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى»، قالت حفصة: فقلت الحيض، فقالت: أليس تشهد عرفة، وكذا وكذا.
                                      
قال ابن رجب في «الفتح» (2/142) : وقول أم عطية: (بأبا) هو بفتح الباء الثانية، وقد زعم بعضهم أن حديث أم عطية لم يرد إلا كذلك.
وهما لغتان: (بأبي) بكسر الباء، و (بأبا) بفتح الباء. والمراد: تفدية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبيها.

وقال البخاري:
744 - حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عمارة بن القعقاع، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة - قال أحسبه قال: هنية - فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد».

قال ابن رجب في «الفتح» (6/376) : وفي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ جواز التفدية بالأبوين.

وقال البخاري:
979 - قال ابن جريج: وأخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: شهدت الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم يصلونها قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال، فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} .. الآية، ثم قال حين فرغ منها: «آنتن على ذلك؟» قالت امرأة واحدة منهن، لم يجبه غيرها: نعم، - لا يدري حسن من هي - قال: «فتصدقن». فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلم، لكنّ فداء أبي وأمي. فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال. قال عبد الرزاق: الفتخ: الخواتيم العظام كانت في الجاهلية.

ووصله مسلم في «صحيحه» (884) قال: وحدثني محمد بن رافع، وعبد بن حميد، جميعا عن عبد الرزاق، قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج.

قال ابن رجب في «الفتح» (9/52) : وفي الحديث: التفدية بالأب والأم.

وقال البخاري:
2905 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن شداد، عن علي، ح حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، قال: حدثني عبد الله بن شداد، قال سمعت عليا رضي الله عنه، يقول: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفدي رجلا بعد سعد سمعته يقول: «ارم فداك أبي وأمي».

وقال:
3679 - حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا عبد العزيز بن الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك» فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟!

وقال:
3720 - حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير، على فرسه، يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف؟ قال: أوهل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم». فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: «فداك أبي وأمي».

قال الطبري في «تهذيب الآثار/مسند علي» (3/109) : القول في البيان عما في هذا الخبر من الفقه والذي فيه من ذلك: الدلالة على صحة قول القائلين بإجازة تفدية الرجل بأبويه ونفسه، وفساد قول منكري ذلك. فإن ظن ظان أن تفدية النبي لله من فداه بأبويه، إنما جاز لأن أبويه كانا مشركين، فأما المسلم فإنه غير جائز له أن يفدي مسلمًا ولا كافرًا بنفسه , ولا بأحد سواه من أهل الإسلام، اعتلالاً منه بما:
180 - حدثني به يحيى بن داود الواسطي قال: حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرني مبارك، عن الحسن، قال: دخل الزبير على النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاك، فقال: كيف تجدك، جعلني الله فداك؟ فقال له: «أما تركت أعرابيتك بعد؟» . قال الحسن: لا ينبغي أن يفدي أحد أحدًا.
181 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن إسماعيل، عن الحسن، قال: قال الزبير بن العوام: كيف أصبحت يا نبي الله، جعلني الله فداك؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما تركت أعرابيتك بعد، يا زبير» ؟
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سوار بن عبد الله، عن الحسن، أن الزبير، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشتكي، فقال: ما أكثر ما نعهدك جعلني الله فداك فقال له: «أما تركت أعرابيتك بعد؟» أو كما قال.
183 - حدثني سلم بن جنادة السوائي، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن منكدر، عن أبيه، قال: دخل الزبير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أصبحت، جعلني الله فداك؟ فقال: «ما تركت أعرابيتك».
184 - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن جابر، قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: جعلني الله فداك، قال: «إذن يهينك الله».
قيل: هذه أخبار واهية الأسانيد، لا تثبت بمثلها في الدين حجة، وذلك أن مراسيل الحسن أكثرها صحف غير سماع، وأنه إذا وصلت الأخبار فأكثر روايته عن مجاهيل لا يعرفون. ومن كان كذلك فيما يروي من الأخبار، فإن الواجب عندنا أن نتثبت في مراسيله، وأن المنكدر بن محمد عند أهل النقل ممن لا يعتمد على نقله. وبعد، فلو كانت هذه الأخبار التي ذكرناها عن المنكدر بن محمد عن الحسن، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحاحا، لم يكن فيها لمحتج بها حجة في إبطال ما روينا عن علي , والزبير رحمة الله عليهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الخبرين اللذين ذكرناهما عنه أنه فدى من فدى بأبويه، ولا كان في ذلك دلالة على أن قيل ذلك غير جائز، إذ لا بيان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الزبير عن قيل ذلك له , بل إنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أما تركت أعرابيتك بعد» , والمعروف من قيل القائل إذا قال: إن فلانا لم يترك أعرابيته بعد، أنه إنما نسبه إلى الجفاء لا إلى فعل ما لا يجوز فعله. فلو صح خبر الحسن الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيله ما قال للزبير، لم يعد أن يكون ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم نسبة لقول الزبير الذي قال له إلى الجفاء، وإعلاما منه له أن غيره من القول والتحية ألطف وأرق منه، هذا هذا. وقد روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد لا تشبه أسانيد خبر الحسن في الصحة، أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلنا الله فداك، فلم ينكر ذلك عليهم، ولم يغير، نذكر من ذلك ما حضرنا ذكره .. ثم ساقها بالأسانيد.

وقال البخاري:
3779 - حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «لو أن الأنصار سلكوا واديًا، أو شعبًا، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار»، فقال أبو هريرة: ما ظلم بأبي وأمي، آووه ونصروه، أو كلمة أخرى.

وقال:
3905 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لم أعقل أبوي قط، إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة ... وساق حديث الهجرة الطويل وفيه: ...  فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ... الحديث.

وقال:
4196 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا، فنزل يحدو بالقوم يقول:
[البحر الرجز]
اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما أبقينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا *** إنا إذا صيح بنا أبينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا السائق؟»، قالوا: عامر بن الأكوع، قال: «يرحمه الله» قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به؟ فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم إن الله تعالى فتحها عليهم، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هذه النيران على أي شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أي لحم؟» قالوا: لحم حمر الإنسية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهريقوها واكسروها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ قال: «أو ذاك». فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه، قال: فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي، قال: «ما لك» قلت له: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب من قاله، إن له لأجرين - وجمع بين إصبعيه - إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله»، حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم قال: «نشأ بها».

وقال:
4205 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم»، وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: «يا عبد الله بن قيس». قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

وقال البخاري في الصحيح في كتاب الأدب منه: (باب قول الرجل: فداك أبي وأمي). وروى حديث سعد رضي الله عنه.

قال إسحاق بن منصورالكوسج في «مسائله» : 3578- قلت: يكره أن يقول الرجل للرجل: فداك أبي وأمي؟
قال (يعني أحمد بن حنبل) : يكره أن يقول: جعلني الله تعالى فداك، ولا بأس أن يقول: فداك أبي وأمي. قال إسحاق: كما قال.

قال المحقق في الحاشية: قال في الفروع 6/271: ولم يكره أحمد: فداك أبي وأمي لأنه - صلى الله عليه وسلم - قاله في الصحيحين وغيرهما. وكره: جعلني الله فداك. ثم ذكر دليلاً على جواز جعلني الله فداك. ونحو ذلك قال في الآداب الشرعية: 1/392 ثم ذكر أحاديث تدل على الجواز أيضاً. وقال السفاريني في غذاء الألباب: 1/291: والمعتمد لا كراهة -إن شاء الله- لصحة الأخبار.