الخميس، 10 أبريل 2014

[ما يقال في التشهد الأول]

[ما يقال في التشهد الأول]

بسم الله الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن تبعهم بإحسان, أما بعد:

قال أبو داود –رحمه الله- في "سننه":
(باب في تخفيف القعود)
995 - حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن أبيه (يعني عبد الله بن مسعود)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف».
قال: قلنا: حتى يقوم؟ قال: حتى يقوم.

أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، لكن قَبِل جمع من المحدثين روايته عن أبيه وجعلوها في حكم المتصل واحتجوا بها. انظر هنا.

«الرضف: الحجارة المحماة بالنار أو الشمس».
"غريب الحديث" لأبي عبيد –رحمه الله- (4/125).

قال الترمذي -رحمه الله- في "الجامع" (2/202) بعد أن روى حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المتقدم:
«والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في الركعتين الأوليين ولا يزيد على التشهد شيئا وقالوا إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو . هكذا روي عن الشعبي وغيره».

قال ابن قدامة في "المغني" (1/385) بعد أن أورد حديث ابن مسعود –رضي الله عنه-:
«وهذا يدل على أنه لم يطوله، ولم يزد على التشهد شيئا».

فصل في ذكر بعض الآثار في هذا الباب:


قال أبو بكر ابن أبي شيبة -رحمه الله- في "المصنف" (1/263) :

3017 - حدثنا جرير عن منصور عن تميم بن سلمة قال: «كان أبو بكر، إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضف، يعني، حتى يقوم».

3018 - حدثنا غندر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن رجل صلى خلف أبي بكر، «فكان في الركعتين الأوليين كأنه على الجمر حتى يقوم».

الأثر الأول فيه انقطاع والثاني فيه مبهم ولعله يتقوى بمجموع الطريقين, وهو مشهور عن أبي بكر رضي الله عنه.

3019 - حدثنا هشيم قال: أنا مغيرة عن إبراهيم «أنه كان يجلس في التشهد في الركعتين قدر التشهد مترسلا، ثم يقوم».

3020 - حدثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن عياض بن مسلم عن ابن عمر، أنه كان يقول: «ما جعلت الراحة في الركعتين إلا للتشهد».

عياض بن مسلم لم أقف على توثيق معتبر له.

3021 - حدثنا حفص عن أشعث عن الحسن أنه كان يقول: «لا يزيد في الركعتين الأوليين على التشهد».

أشعث بن سوار فيه لين.

3022 - حدثنا جرير عن نعيم القاري عن مطرف عن الشعبي، قال: «من زاد في الركعتين الأوليين على التشهد فعليه سجدتا سهو».

نعيم هو ابن ميسرة.

3023 - حدثنا عبد السلام عن بديل عن أبي الجوزاء عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الركعتين التحيات».

ورواه مسلم مطولاً, وهو -كما هو ظاهر- أخص في الدلالة من الأحاديث العامة, أو من الحديث الوارد في إحدى صفات قيام الليل, هذا على فرض ثبوت موضع الشاهد فيه.

وقال عبد الرزاق في "المصنف":
3059 - عن ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة قال: سمعت طاوسا يقول: «لا أعلم بعد الركعتين إلا التشهد».
وعلقه ابن المنذر -رحمه الله- في  "الأوسط" (3/209) بلفظ: «في المثنى الأول: ما أعلمه إلا التشهد قط».

3060 - عن ابن جريج عن عطاء قال: «المثنى الأولى إنما هو للتشهد، وإن الآخر للدعاء والرغبة، والآخر أطولهما».

قال ابن قدامة في "المغني" (1/386) :
«وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله (أي الإمام أحمد) يصلي، فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس، ثم يقوم كأنه على الرضف، وإنما قصد الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وصاحبه (يعني أبا بكر رضي الله عنه)».

وقال حرب في "مسائله" (ت.السريع) (ص511) :
«سمعت إسحاق يقول: لا يزيدن الإمام في الركعتين الأوليين إذا جلس على التشهد , وإن زاد في الركعتين الأوليين على التشهد عمداً فقد أخطأ وإن زاد ناسياً لما ظن أنه في آخر الجلسه فعليه سجدتا سهو».

ثم أسند خبر الشعبي المتقدم دون ذكر متنه.

وقال ابن هانئ في "مسائله" للإمام أحمد:
395 - وسمعته يقول: إذا زاد على التشهد، تشهد ابن مسعود، شيئًا من دعاء في الركعتين الأوليين، يسجد سجدتين بعد السلام.

أفادني بهذه الرواية أخي أبو إبراهيم جزاه الله خيرًا.

وفي "مسائل عبد الله بن أحمد" -رحمهما الله-:
297- حدثنا قال أملى علي أبي التشهد فقال: «التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ثم يقول في آخر صلاته إذا تشهد قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد».

وقوله: (ثم يقول في آخر صلاته اللهم صل ..) ظاهر في أنه يرى أن التشهد الأول لا يذكر الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أنه خصه بالآخر دون الأول.

فائدة:
ورد عن ابن عمر –رضي الله عنهما- الدعاء عقب التشهد الأول:

قال مالك –رحمه الله- في "الموطأ":
54 - عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول: " بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله، يقول هذا في الركعتين الأوليين. ويدعو، إذا قضى تشهده، بما بدا له.
فإذا جلس في آخر صلاته، تشهد كذلك أيضا، إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له. فإذا قضى تشهده، وأراد أن يسلم، قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم " عن يمينه، ثم يرد على الإمام. فإن سلم عليه أحد عن يساره، رد عليه.

وهذا قد يبدو معارضاً للأخبار المتقدمة, إذ كلها تفيد التخفيف وأن لا يزاد على التحيات شيئاً, وقد يُجمع فيقال يدعو يسيراً بلا إطالة.
وقال ابن المنذر بعد أن ذكر ذلك عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «القول الأول أحب إلي», (أي ترك الزيادة على التشهد). انظر "الأوسط" (3/209).

فائدة ثانية:
ممن ذهب إلى أنه يزيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؛ الشافعي –رحمه الله- في "الأم" وهذا هو المشهور من مذهبه وهو الجديد, لكنه يستحب وليس بواجب, وقال في القديم لا يزيد على التشهد وهذه رواية المزني عنه, وهو الذي صححه كثير من أصحابه, وهذا هو الموافق لما تقدم عن السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين.

فائدة ثالثة:

قد قال الشافعي –رحمه الله- بزيادة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول مع أنه نص على التخفيف فيه مستدلاً بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

ينظر "الأم" (ط.المعرفة) (1/144) و "جلاء الأفهام" (ط.المجمع)  (ص424-427).

وجزى الله الأخ أبا سليمان خيراً؛ فقد أفادني بعدة نقولات مما تقدم.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.