السبت، 17 ديسمبر 2016

[ صلاة المأموم قدام الإمام ]

[ صلاة المأموم قدام الإمام ]

سئل ابن تيمية رحمه الله: 
هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا ؟

الجواب : أما صلاة المأموم قدام الإمام . ففيها ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : إنها تصح مطلقا ، وإن قيل إنها تكره ، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك ، والقول القديم للشافعي .

والثاني : إنها لا تصح مطلقا ، كمذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد في المشهور من مذهبهما .

والثالث : إنها تصح مع العذر ، دون غيره ، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة الإقدام الإمام ، فتكون صلاته قدام الإمام خيرا له من تركه للصلاة . وهذا قول طائفة من العلماء ، وهو قول في مذهب أحمد ، وغيره . وهو أعدل الأقوال وأرجحها وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة ، والواجبات كلها تسقط بالعذر . 
وإن كانت واجبة في أصل الصلاة ، فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام ، والقراءة ، واللباس ، والطهارة ، وغير ذلك .

وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام ، ولو فعل ذلك مفردا عمدا بطلت صلاته ، وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه ، وقعد معه ، لأجل المتابعة . مع أنه لا يعتد له بذلك ، ويسجد لسهو الإمام ، وإن كان هو لم يسه .
وأيضا ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة، ويعمل العمر الكثير ويفارق الإمام قبل السلام ، ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام ، وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة ، ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته .

وأبلغ من ذلك أن مذهب أكثر البصريين ، وأكثر أهل الحديث : أن الإمام الراتب إذا صلى جالسا صلى المأمومون جلوسا ، لأجل متابعته ، فيتركون القيام الواجب لأجل المتابعة، كما استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون".

والناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
قيل : لا يؤم القاعد القائم ، وأن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : كقول مالك ، ومحمد بن الحسن .

وقيل : بل يؤمهم ، ويقومون ، وأن الأمر بالقعود منسوخ . كقول أبي حنيفة ، والشافعي .

وقيل : بل ذلك محكم ، وقد فعله غير واحد من الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كأسيد بن حضير ، وغيره . وهذا مذهب حماد بن زيد ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما . وعلى هذا فلو صلوا قياما ففي صحة صلاتهم قولان .

والمقصود هنا : أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان ، فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية ما في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة، وهذا أخف من غيره ، ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده ، فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف ، ولم يدع الجماعة ، كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف ، باتفاق الأئمة . وهو إنما أمر بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة .

الفتاوى الكبرى 2/331.