الأربعاء، 25 مايو 2016

[في الإمام يخص نفسه بدعاء]

[في الإمام يخص نفسه بدعاء]

قال ابن أبي شيبة في المصنف:

6594- حدثنا أبو بكر بن عياش ، ومحمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : إمام القوم ضامن ، فلا يخص نفسه بشيء من الدعاء دونهم.

6595- حدثنا ابن علية ، عن خالد الحذاء ، قال : قال أبو قلابة : تدري لم كرهت الإمامة ؟ قال : لا ، ولكنها كرهت أنه ليس لإمام أن يخص نفسه بدعاء من دون من وراءه.

6596- حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يكره أن يخص الإمام نفسه بشيء من دون أصحابه.

6597- حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن هارون بن إبراهيم ، قال : قلت لابن سيرين : للإمام أن يخص بشيء من الدعاء ؟ قال : لا ، فليدع لهم كما يدعو لنفسه.

6598- حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن طاووس ، ومجاهد ، قال : لا ينبغين للإمام أن يخص نفسه بدعاء من دون القوم.

6599- حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن أشعث ، عن كردوس ، عن عبد الله ؛ أنه كان يكره إذا كان الرجل في القوم أن يخص نفسه بشيء من الدعاء دونهم.

وقد روى الترمذي في جامعه (357) باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء مرفوعًا: «لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن».

ورواه كذلك أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وقال عقبه: هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد. وقال في كتاب التفرد: الذي تفرد به في هذا الحديث: (وأن يخص نفسه بالدعاء). و في سند الحديث اختلاف. وانظر علل الدارقطني (1568).

وقال الشافعي في الأم (1/186) : بعد أن ذكر هذا الحديث: وكذلك أحب للإمام فإن لم يفعل وأدى الصلاة في الوقت أجزأه وأجزأهم وعليه نقص في أن خص نفسه دونهم.

وفي السير (7/129) : عن الوليد بن مزيد: سمع الأوزاعي يقول: لا ينبغي للإمام أن يخص نفسه بشيء من الدعاء، فإن فعل، فقد خانهم.

وقال ابن المنذر  في الأوسط (4/236) : وممن كره ذلك سفيان الثوري، والأوزاعي، وقال الشافعي: لا أحب أن يفعل ذلك.

وفي مسائل حرب ص501:
وسمعت أبا يعقوب –يعني إسحاق بن راهويه-: يقول: كانوا يستحبون أن يقولوا بعد التشهد: «اللهم إني أسألك من الخير كله؛ ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله؛ ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون،  وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.
1077 - قال: أخبرنا به: عيسى بن يونس، قال: أبنا الأعمش، قال: ثنا عمير بن سعيد النخعي، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، يقول ذلك.
قال أبو يعقوب: وإن كان إمامًا؛ قال: «اللهم إنا نسألك من الخير كله ... »؛ ليكون دعاؤه عامًا.
وسمعت إسحاق -أيضًا- يقول: إن كنت إماما فأعمهم بدعائك، فقل: «إنا نسألك من الخير كله ... »؛ فإنه يكره للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون القوم.

وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/252) :
مسألة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لرجل يؤم قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم» . فهل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين؟ وهل صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم؟ فكيف الجمع بين هذين؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. قد ثبت في الصحيحين عن «أبي هريرة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة. ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة، وكان إماما. وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض» - فيه - «فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت» .
وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله: «لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت» : «اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» . وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله، ومن أمره، لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد. كقوله: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» . وكذا دعاؤه بين السجدتين، وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إماما أحدهما بحذيفة، والآخر بابن عباس.
وحديث حذيفة «رب اغفر لي، رب اغفر لي» وحديث ابن عباس فيه «اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني» ونحو هذا، فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد. وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك، حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية.
وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور إن صح فالمراد به الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم: كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمن كان داعيا، قال الله تعالى لموسى وهارون: {قال قد أجيبت دعوتكما} وكان أحدهما يدعو، والآخر يؤمن. وإذا كان المأموم مؤمنا على دعاء الإمام، فيدعو بصيغة الجمع، كما في دعاء الفاتحة في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} فإن المأموم إنما أمن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعا، فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم.
فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه، كما يسبح المأموم في الركوع والسجود، إذا سبح الإمام في الركوع والسجود، وكما يتشهد إذا تشهد، ويكبر إذا كبر، فإن لم يفعل المأموم ذلك فهو المفرط.
وهذا الحديث لو كان صحيحا صريحا معارضا للأحاديث المستفيضة المتواترة، ولعمل الأمة، والأئمة، لم يلتفت إليه، فكيف وليس من الصحيح، ولكن قد قيل: إنه حسن، ولو كان فيه دلالة لكان عاما، وتلك خاصة، والخاص يقضي على العام. ثم لفظه «فيخص نفسه بدعوة دونهم» يراد بمثل هذا إذا لم يحصل لهم دعاء، وهذا لا يكون مع تأمينهم. وأما مع كونهم مؤمنين على الدعاء كلما دعا، فيحصل لهم كما حصل له بفعلهم، ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع: «اللهم إنا نستعينك، ونستهديك» إلى آخره. ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع، ويتبع السنة على وجهها، والله أعلم.  

وقال ابن القيم في الزاد (1/256) : وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه، كدعاء القنوت ونحوه، والله أعلم.