الأربعاء، 25 يونيو 2014

بيان علة حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة، وحقره وصغره».

بيان علة حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة، وحقره وصغره».

قال الطبراني رحمه الله- في «المعجم الأوسط» :
4984 - حدثنا القاسم بن زكريا قال: أعطاني عبد الرحيم بن محمد السكري، كتابا فكتبت منه: حدثنا عباد بن العوام قال: نا أبان بن تغلب، عن عمرو بن مرة عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة، وحقره وصغره».

ورواه أبو نعيم في «الحلية» (4/123) و(5/99) من طريق القاسم بن زكريا به، وقال:
«غريب من حديث أبان بن تغلب عن عمرو عن خيثمة لم يروه إلا عبد الرحيم».

وأبان بن تغلب ومن دونه وإن كانوا ثقات؛ فقد خالفهم ثلاثة من الحفاظ الأثبات:

- فرواه الأعمش عن عمرو بن مرة، قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو به.
وروايته عند أحمد في «المسند» (6986) و(7085) وابن أبي شيبة في «المصنف» (35300) وهناد بن السري في «الزهد» (2/441) وغيرهم.

- ورواه شعبة عن عمرو بن مرة، قال: سمعت رجلاً، في بيت أبي عبيدة، أنه سمع عبد الله بن عمرو، يحدث ابن عمر به. وفي آخره: قال: فذرفت عينا عبد الله بن عمر.
وروايته عند أحمد في «المسند» (6509) و(6839) وابن المبارك في «الزهد» (141) وابن الجعد في «مسنده» (135).

- ورواه مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن رجل قال: سمعت عبد الله بن عمرو يحدث عبد الله بن عمر به وفي آخره قال: فبكى ابن عمر.
وروايته عند وكيع في «الزهد» (308) ومن طريقه أحمد في «الزهد» (238).

فهؤلاء الثلاثة (الأعمش وشعبة ومسعر) رووا الحديث عن عمرو بن مرة عن رجل مجهول، وكني أبا يزيد في رواية الأعمش كما سبق.

وقد عد بعضهم ما روى أبان بن تغلب مفسراً ومبيناً؛ فقالوا هذا فيه تعيين المبهم في الروايات الأخرى، بل وزاد بعضهم فقال: خيثمة لم يذكر المترجمون له كنية فتستفاد من هنا، فكنوه أبا يزيد!

وهذا عند التأمل لا يستقيم، إذ لا يعقل أن يغيب اسم الراوي عن هؤلاء الثلاثة الجبال ولا يهتدون لتعيينه، والذين خرج حديثهم هذا أصحاب الكتب المشهورة المعروفة؛ ويهتدي إليه رجل مثل أبان بن تغلب أو من دونه في السند- وهو دون آحادهم فكيف بهم مجتمعين! ولم يرو حديثه هذا إلا الطبراني وأبو نعيم!.

فالذي يظهر أن ذكر تعيين المبهم لا يعدو كونه وهم إما من أبان بن تغلب أو ممن دونه والله أعلم.

وفيما يأتي بعض الأمثلة من صنيع أئمة العلل النقّاد لعله يبين هذه المسألة ويوضحها إن شاء الله:

قال ابن أبي حاتم رحمه الله- في «العلل» :
642 - وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة إلا لخمسة: رجل اشتراها بماله ، أو رجل عامل عليها، أو غارم، أو غاز في سبيل الله تعالى، أو رجل له جار فيتصدق عليه فيهدي له ؟
فقالا: هذا خطأ؛ رواه الثوري ، عن زيد بن أسلم؛ قال: حدثني الثبت؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهو أشبه .
وقال أبي: فإن قال قائل: الثبت من هو؟ أليس هو عطاء بن يسار؟ قيل له: لو كان عطاء ابن يسار، لم يكنِّ عنه.
قلت لأبي زرعة: أليس الثبت هو عطاء؟
قال: لا! لو كان عطاء، ما كان يكني عنه.
وقد رواه ابن عيينة ، عن زيد، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل.
قال أبي: والثوري أحفظ.

فانظر إلى هذا الملحظ الجميل الذي ذكره أبو حاتم رحمه الله- وكأنه يرد على من يسلك مسلك الجمع وحمل الروايات بعضها على بعض دون نظر إلى القرائن؛ حيث قال: فإن قال قائل: الثبت من هو؟ أليس هو عطاء بن يسار؟ قيل له: لو كان عطاء بن يسار، لم يكنِّ عنه.

يعني لو كان ذكر تسمية الراوي محفوظاً في السند لصرح بذلك الحفاظ الثقات من الرواة في ذلك السند ولسموه ولم يكتفوا بإبهامه.

ومثله قول أبي زرعة رحمه الله- لما سأله ابن أبي حاتم: أليس الثبت هو عطاء؟ يعني كأنه يقول لماذا لا نحمل الرواية التي فيها المبهم على الرواية التي سمي فيها الرواي؟ فكان الجواب: قال: لا! لو كان عطاء، ما كان يكني عنه.

مثال آخر:
وقال في «العلل» :
1979 - وسألت أبا زرعة عن حديث رواه جماعة عن
الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم : من نفس عن مؤمن كربة ... ؟
قال أبو زرعة: منهم من يقول: الأعمش عن رجل عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح: عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فلم يقل أبو زرعة أن هؤلاء الجماعة سموا هذا المبهم فيتعين تسميته بذلك، ولا تضر رواية من سماه وعرفه رواية من أبهمه. بل رجح الرواية التي فيها المبهم على الأخرى.

وانظر «جامع الترمذي» عقب الحديث رقم (1425). و«علل أحاديث في كتاب الصحيح» (35) لابن عمار الشهيد. و«جامع العلوم والحكم» (632 حديث رقم 36) لابن رجب.

مثال آخر:
وقال في «العلل» :
2079 وسألت أبي عن حديث رواه أبو ضمرة  عن أبي
مودود عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ... وذكر الحديث؟
قال أبي: ذكر هذا الحديث لابن مهدي  فقال: أملى علي أبو مودود: حدثني رجل، عن رجل؛ أنه سمع أبان بن عثمان، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وأنكر أن يكون عن محمد بن كعب القرظي.
أخبرنا أبو محمد قال : حدثني أبي؛ قال: حدثنا حماد بن زاذان؛ قال: حدثنا ابن مهدي من كتابه أملاه علينا؛ وذلك أن علي ابن المديني قال: حدثني اثنان بالمدينة، عن أبي مودود، عن محمد بن كعب، فقال ابن مهدي: هو باطل، ثم أخرج ابن مهدي كتابه فأملاه علينا.
أخبرنا أبو محمد قال: حدثنا أحمد بن عصام عن أبي عامر العقدي كما رواه ابن مهدي؛ قال: حدثنا أبو عامر- يعني: العقدي - قال: حدثنا أبو مودود؛ قال: حدثني رجل؛ قال: حدثني من سمع أبان بن عثمان؛ قال: سمعت عثمان، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
فأما ما قال علي بن المديني: فقد أخبرنا يونس بن عبد الأعلى؛ قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن أبي مودود، عن رجل لا أعلمه إلا محمد بن كعب، عن أبان بن عثمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... ، ولم يذكر «عثمان» في الإسناد.

وكرر هذه المسألة في «العلل» فقال:
2105 - وسئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو ضمرة عن أبي مودود عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات؛ من قالها حين يصبح لم تفجأه فاجئة بلاء؟
قال أبو زرعة: هذا خطأ، والصحيح: ما حدثنا القعنبي ؛ قال: حدثنا أبو مودود، عن رجل؛ قال: حدثنا من سمع أبان بن عثمان بن عفان يقول: سمعت عثمان بن عفان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... ، وذكر الحديث.

أبو ضمرة ثقة وقد روى الحديث عن محمد بن كعب ومع ذلك لم يلتفت الأئمة إلى ذلك وعدوا ذلك وهماً، وأن المحفوظ ذكر المبهم في السند.

مثال آخر:
قال الدارقطني رحمه الله- في «العلل» :
717- وسئل عن حديث زر، عن ابن مسعود، جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إن ابنة عمي تعجبني وهي عاقر، قال: لامرأة سوداء ولود ودود أحب إلي منها، إني مكاثر يوم القيامة، ويقال للسقط: ادخل الجنة فيظل محبنطئا، ... الحديث.
فقال: يرويه عاصم واختلف عنه؛
فرواه أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن رجل لم يسمه، عن عبد الله.
ورواه حسان بن سياه، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله.
والصحيح قول أبي بكر بن عياش.

حسان بن سياه ضعيف فسلك الجادة المعروفة في هذا السند فوقع في الوهم، ورجح الدارقطني رواية الثقة على الوجه الذي فيه المبهم ولم يحمل إحدى الروايتين على الأخرى.

وانظر كذلك «العلل» الدارقطني (9/259) و (10/337).

مثال آخر:
قال الحاكم في «معرفة علوم الحديث» ص117 :
حدثنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قال: أخبرنا أبو بكر يعقوب بن يوسف المطوعي قال: ثنا أبو داود سليمان بن محمد المباركي قال: ثنا أبو شهاب عن سفيان الثوري، عن الحجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم».
قال أبو عبد الله: وهكذا رواه عيسى بن يونس، ويحيى بن الضريس، عن الثوري، فنظرت، فإذا له علة:
أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو، قال: ثنا أحمد بن سيار، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: ثنا سفيان الثوري، عن الحجاج بن الفرافصة عن رجل، عن أبي سلمة، قال سفيان: أراه ذكر أبا هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم».

وهذا المثال الأخير إنما ذكرته تبعاً لموافقته لأصل المسألة، وإنما ذكرته للتمثيل على وجه الإعلال المذكور بغضّ النظر عن الوجه الراجح في الحديث.
وكذلك فالحاكم ليس من الأئمة النقاد كما ذكر أهل العلم، وقد نقض كلامه هنا في هذا الحديث في المستدرك (129) وصحح الحديث بشواهد ذكرها!

وقد روى الطبراني حديث عبد الله بن عمرو من وجه آخر:
قال في «المعجم الأوسط» : 5748 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: نا إسحاق بن زيد الخطابي قال: ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود قال: نا أبي، عن عبد الكريم بن مالك، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول يوما في ملإ من المسلمين فيهم ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يسمع الناس بعمله يسمع الله به يوم القيامة خلقه، وصغره، وحقره» فرأيت عيني ابن عمر تذرفان».
لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن المسيب إلا عبد الكريم بن مالك، تفرد به سليمان بن أبي داود.

محمد بن سليمان بن أبي داود:
وثقه النسائي وغيره، لكن قال أبو حاتم منكر الحديث، وقال الدارقطني ضعيف.
انظر «تهذيب المزي» (5259) و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (7/267) و«العلل» له (449) و«سؤالات البرقاني» (191).

وأما أبوه:
قال أبو حاتم ضعيف الحديث جداً.
وقال أبو زرعة: لين الحديث.
وقال أحمد: ليس بشيء.
وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.
وانظر «لسان الميزان» (4/150) و«الجرح والتعديل» (4/115-116).

فالحديث من هذا الوجه منكر لا يصح بحال والله أعلم.