بيان علة حديث: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير
دينكم الورع».
قال الطبراني في «الأوسط» :
3960- حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: نا عباد بن
يعقوب الأسدي قال: نا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن مطرف بن الشخير، عن
حذيفة بن اليمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل
العبادة، وخير دينكم الورع».
لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد
القدوس.
وكذلك رواه من طريق عبد الله بن عبد القدوس الترمذي
في «العلل» (633) وابن عدي في «الكامل» (5/329) والحاكم (317) ومن طريقه البيهقي
في «المدخل» (455) والبزار (2969) والأصبهاني في «الحلية» (2/211).
وروي عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مصعب، عن أبيه به
مرفوعاً:
رواه الشاشي في «مسنده» (75) ومن طريقه محمد المقدسي
في «المختارة» (1068) ورواه الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (1/355) وأبو الشيخ في
«الطبقات» (3/276) والحاكم (314) و(315) و(316) والبيهقي في «الآداب» (830) وفي
«المدخل» (454) وفي «الزهد» (821) وغيرهم.
وروي عن أبي نوفل الكسائي عن الأعمش، عن أبي قلابة به
مرفوعاً:
رواه أبو مسهر في «نسخته» (7) ومن طريقه ابن عساكر في
«تاريخ دمشق» (41/521).
وروي عن نوح بن أبي مريم عن الأعمش عن سالم بن أبي
الجعد عن ثوبان به مرفوعاً:
رواه ابن عساكر في «الأربعون البلدانية» (ص63).
ورواه أبو مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة به مرفوعاً.
رواه الدارقطني في «العلل» (10/146) ومن طريقه ابن
الجوزي في «العلل المتناهية» (78).
ورواه المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم، عن جابر.
ذكره الدارقطني في «العلل» (4/319).
ورواه زهير بن حرب في كتاب «العلم»، قال:
13 - ثنا جرير، عن الأعمش، قال: بلغني عن مطرف بن عبد
الله بن الشخير، أنه قال: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
ورواه الإمام
أحمد في «الزهد» (1335) وابن أبي شيبة في«المصنف» (35600) ويعقوب الفسوي في
«المعرفة والتاريخ» (2/82) وابن سعد في «الطبقات» (7/103) وابن عبد البر في
«الجامع» (104) والبيهقي في «المدخل» (457) من طرق عن قتادة عن مطرف به.
ورواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/397)
ومن طريقه ابن عبد البر في «الجامع» (212) عن حميد بن هلال قال: سمعت مطرفاً به.
وقال الفسوي عقبه: ورواه قتادة وغيلان بن جرير عن
مطرف مثله بمعناه.
وهذا الأخير هو الصواب عن الأعمش وهو الوجه الراجح عنه؛
وما سبق إنما هي أغلاط عليه ومن تخاليط الرواة عنه وليست شواهد يتقوى الحديث بها!
فعبد الله بن عبد القدوس رافضي ضعيف.
ونوح بن أبي مريم كذاب.
وأبو مطيع البلخي متروك.
والمسيب بن شريك متروك.
وحمزة الزيات ليس من أصحاب الأعمش المعروفين.
وأبو نوفل مثله وقيل فيه ليس بالمشهور ويغرب.
والتفرد عن الأعمش إنما يقبل من ثقات أصحابه
المعروفين، وما أكثرهم؛ فمن الرواة عنه:
أبو إسحاق الفزاري وجرير بن حازم وجرير بن عبد الحميد
وحفص بن غياث وأبو أسامة وزائدة والثوري وابن عيينة وأبو الأحوص وشعبة وعلي بن
مسهر وعيسى بن يونس وأبو نعيم وابن فضيل ووكيع والقطان، ويعلى الطنافسي وأبو بكر
بن عياش وأبو عوانة وأبو معاوية الضرير وغيرهم كثير.
قال مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/6) :
«فأما من تراه
يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو
لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما
حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث
مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز
قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم».
فما قيل في الزهري وهشام بن عروة يقال في الأعمش.
هذا وقد رجح المقطوع على مطرف من قوله عدد من الحفاظ:
قال الترمذي في «العلل» : سألت محمداً (يعني البخاري)
عن هذا الحديث (يعني حديث حذيفة) فلم يعد هذا الحديث محفوظاً، ولم يعرف هذا عن
حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البزار في «المسند» : وهذا الكلام لا نعلمه يروى
عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه (يعني حديث حذيفة)، وإنما يعرف هذا
الكلام من كلام مطرف، ولا نعلم رواه، عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس، ولم
نسمعه إلا من عباد بن يعقوب.
وقال البيهقي في «المدخل» : هذا الحديث يروى مرفوعاً
بأسانيد ضعيفة وهو صحيح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير.
وفي «العلل» للدراقطني:
591- وسئل عن حديث مصعب بن سعد، عن سعد، عن النبي صلى
الله عليه وسلم: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه؛
فرواه حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مصعب بن سعد، عن
سعد.
وخالفه عبد الله بن عبد القدوس، فرواه عن الأعمش، عن
مطرف بن الشخير، عن حذيفة.
ورواه أبو مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة.
وقيل: عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
وقال المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم، عن جابر.
وليس يثبت من هذه الأسانيد شيء، وإنما يروى هذا عن
مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله.
1935- وسئل عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه؛
فرواه مالك بن وابض، عن أبي مطيع البلخي، عن الأعمش،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وخالفه عبد الله بن عبد القدوس، رواه عن الأعمش، عن
مطرف بن عبد الله الشخير، عن حذيفة.
وخالفه حمزة الزيات، واختلف عنه؛
فرواه سعيد بن زكريا المدائني، عن حمزة، عن الأعمش،
عن مصعب بن سعد، وقال غيره عن حمزة، عن الأعمش، عن رجل، عن مصعب بن سعد، عن سعد،
وقال المسيب بن شريك، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، ولا يصح منها
شيء.
والصحيح أنه من قول مطرف بن الشخير.
ولا ينقضي العجب ممن يخرج الحديث من هذه المصادر ويقف
على كلام هؤلاء الحفاظ في إعلال هذا الحديث ثم يتجاهله ويمضي ويحسن الحديث أو
يصححه!
(فصل)
قال هناد في «الزهد» (2/465) :
حدثنا ابن فضيل، عن أبان، عن الحسن، وابن سيرين قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة , وخير دينكم
الورع».
هذا فضلاً عن أنه مرسل فهو من طريق أبان بن أبي عياش
وهو متروك.
وقال وكيع في «الزهد» :
222 - حدثنا سفيان، عن عمرو بن قيس الملائي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وملاك دينكم
الورع».
ومن طريق وكيع رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (26115)
وابن أبي الدنيا في «الورع» (ص44) وابن عبد البر في «الجامع» (96).
وهذا معضل فعمرو بن قيس يروي عن التابعين.
(فصل)
قال أبو الشيخ في «أمثال الحديث» :
203 - حدثنا حسن بن هارون، ثنا محمد بن بكار، .....
عن عبد الله بن العلاء، عن مكحول، عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العمل، ورأس الدين الورع».
وقع سقط في المطبوع في هذا السند؛ قال المحقق:
نسي الناسخ كتابة سند هذا الحديث فكتبه على الهامش بخط
لا يقرأ فأثبت هنا ما تمكنت من قراءته.
وهو إضافة لذلك سند منقطع فمكحول لم يلق عبادة رضي
الله عنه.
قال أبو داود عن مكحول: لم ير عبادة بن الصامت. «جامع
التحصيل» (ص285).
(فصل)
قال يحيى الشجري كما في «ترتيب الأمالي» :
297 - أخبرنا الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل
الحافظ، إملاء بقزوين، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الهمذاني،
قال: حدثنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، بهمذان، قال: حدثنا حفص بن
عمر، قال: حدثنا روح بن عبد الواحد، قال: حدثنا الليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن
ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فضل العلم خير من فضل
العبادة، وملاك دينكم الورع، وفضل العالم على العابد كفضلي على أمتي».
حفص بن عمر لم أهتد لتعيينه.
وروح بن عبد الواحد قال عنه أبو حاتم: ليس بالمتقن
روى أحاديث فيها صنعة. «الجرح والتعديل» (3/499). وهو يروي عن ليث بواسطة.
وليث بن أبي سليم ضعيف مضطرب الحديث وكان اختلط.
وسيأتي الحديث من طريق ليث عن مجاهد عن ابن عمر بلفظ
آخر.
(فصل)
هذا وقد روي نحوٌ من هذا الحديث بألفاظ مختلفة عما
سبق وهي لو صحت لما ساغ أن تجعل في شواهد الخبر السابق لاختلاف ألفاظها, لكن
أسوقها من باب الفائدة ولبيان ما فيها من ضعف:
قال ابن عبد البر في «الجامع» :
100 - وحدثني خلف بن القاسم، نا ابن السكن، ثنا أحمد
بن محمد بن هارون الربعي بالبصرة قال: حدثني صهيب بن محمد بن عباد، ثنا بشر بن
إبراهيم، ثنا خليفة بن سليمان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم خير من العبادة وملاك الدين الورع».
هذا في سنده بشر بن إبراهيم الأنصاري: كذاب.
انظر «الكامل» (2/167) و«الميزان» (1/311).
(فصل)
قال ابن عدي في «الكامل» (4/534) :
حدثنا أحمد بن عبد الله بن سالم أبو المنبه الباجري،
حدثنا أبي، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا سوار بن مصعب، حدثنا ليث بن أبي
سليم عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم أفضل
من العبادة وملاك الدين الورع».
ورواه من طريقه ابن الجوزي في «العلل» (77) ورواه
الطبراني في «الكبير» (11/38/10969) وابن
عبد البر في «الجامع» (101) والخطيب في «التاريخ» (6/124) وغيرهم.
وفي سنده سوار بن مصعب وهو متروك منكر الحديث.
انظر «الميزان» (2/246).
(فصل)
قال البيهقي «الشعب» :
5367 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي إملاء،
أنا أبو بكر محمد بن علي بن أيوب بن سلمويه، ثنا محمد بن يزيد السلمي، ثنا حفص بن
عبد الرحمن، ثنا محمد بن عبد الملك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل أوحى إلي أنه من
سلك مسلكا في طلب العلم: سهلت له طريق الجنة، ومن سلبت كريمتيه: أثبته عليهما
الجنة، وقصد في علم خير من فضل في عبادة، وملاك الدين الورع».
ورواه ابن حبان في «المجروحين» (955) وابن عدي في
«الكامل» (7/353) في ترجمة محمد بن عبد الملك الأنصاري إلا أنه رواه عن الزهري عن
عروة به.
ومحمد بن عبد الملك هذا كذاب يضع الحديث.
وانظر «اللسان» (7/314).
(فصل)
قال الطبراني في «الكبير» (13/73) :
13706 - حدثنا الوليد بن حماد الرملي، ثنا سليمان بن
عبد الرحمن الدمشقي، ثنا خالد بن أبي خالد الأزرق السلمي، عن محمد بن عبد الرحمن
بن أبي ليلى، عن الشعبي، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع» .
ورواه كذلك في «المعجم الأوسط» (9264) و«الصغير»
(1114).
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف سيء الحفظ كثير
الوهم ليس بحجة.
انظر «التهذيب» (5406).
ورواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/114) قال:
أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر حدثنا طاهر بن محمد بن
سهلويه النيسابوري نا أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن سعيد الزاهد الجلودي نا
إسحاق بن عبد الله الخشك نا حفص -يعني ابن عبد الله- نا المعلى عن محمد بن عبد
الرحمن عن الشعبي عن ابن عمر به مرفوعاً.
وفيه ابن أبي ليلى تقدم, والراوي عنه المعلى هو ابن
هلال -فيما ظهر لي- وهو كذاب.
انظر «التهذيب» (6102).
وروي بإسناد آخر:
قال القضاعي في «مسند الشهاب» :
1290 - أخبرنا أبو عبد الله، محمد بن الحسن الناقد،
أبنا أبو عبد الله، أحمد بن محمد الخياش، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا محمد بن آدم،
ثنا معلى، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، وابن عباس به مرفوعاً.
معلى كذاب كما تقدم.
وليث بن أبي سليم تقدم.
وقال الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/113) :
أخبرني أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المقرئ النقاش نا الحسن بن منصور الرماني نا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا بقية عن إسماعيل الكندي عن ليث عن
مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل العبادة
الفقه».
بقية يدلس عن الضعفاء ولا يبعد أنه دلسه عن معلى بن
هلال.
وإسماعيل الكندي ترجمه الذهبي في «الميزان» (1/235)
وقال: عن الأعمش وعنه بقية بخبر عجيب منكر.
وفيه ليث بن أبي سليم تقدم.
والخلاصة أنه لا يصح شيء مما تقدم سوى ما جاء عن مطرف
بن عبد الله بن الشخير رحمه الله من قوله وباقي الطرق إما منقطعات وإما مدارها على
الكذابين والمتروكين والضعفاء والله أعلم.