الثلاثاء، 2 يونيو 2015

بيان علة حديث: «إن مطعم ابن آدم جعل مثلًا للدنيا، وإن قزحه، وملحه فانظروا إلى ما يصير».

بيان علة حديث: «إن مطعم ابن آدم جعل مثلًا للدنيا، وإن قزحه، وملحه فانظروا إلى ما يصير».

قال عبد الله في زوائد «المسند» :
21239 - حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، حدثنا سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مطعم ابن آدم جعل مثلًا للدنيا، وإن قزحه، وملحه فانظروا إلى ما يصير».

موسى بن مسعود فيه ضعف، وخاصة في حديثه عن الثوري؛ قال أحمد بن حنبل: كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة، ليس هو سفيان الثوري، الذي هو يحدث عنه الناس. «ضعفاء العقيلي» (1740).

وقد خولف عن سفيان الثوري في رفع هذا الحديث؛ فقد رواه عن الثوري به موقوفًا: أبو أحمد الزبيري، وهو أثبت منه بمرات، وروايته عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (35977). فالراجح عن سفيان الثوري الوجه الموقوف.

وقد روي مرفوعًا من وجه آخر:

قال ابن صاعد في زوائده على «الزهد» لابن المبارك :
495 - حدثنا محمد بن الهيثم، قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يونس، عن الحسن، عن عتي، عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلًا، وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلًا، وإن قزحه وملحه»، قال الحسن: «وقد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب، ثم يرمون به حيث رأيتم».

وكذلك قد خولف عبد السلام بن حرب عن يونس بن عبيد؛ فقد رواه عنه موقوفًا -إضافة للثوري كما تقدم- كلٌ من:
- هشيم بن بشير؛ وروايته عند أبي داود السجستاني في «الزهد» (188) وزوائد ابن صاعد على «الزهد لابن المبارك» (493).
- إسماعيل ابن علية؛ وروايته عند ابن أبي الدنيا في «التواضع والخمول» (211) وفي «الجوع» (166) له.
- يزيد بن زريع؛ وروايته عند أبي داود السجستاني في «الزهد» (188).

قال ابن بكير البغدادي: سئل الدارقطني .. عن أرفع من عنده من أصحاب يونس بن عبيد؟ فقال: يزيد بن زريع، وخالد الواسطي، وابن علية. «سؤالاته» (37).

فرواية هؤلاء الأثبات أرجح من رواية عبد السلام بن حرب، ولو خالفه أحدهم بمفرده لرجح عليه؛ فكيف بهم مجتمعين!
فالراجح عن يونس بن عبيد الوجه الموقوف.

وقد روي الحديث عن الحسن عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- بلا واسطة بينهما، رواه عنه:
- جعفر بن حيان أبو الأشهب؛ وروايته عند ابن المبارك في «الزهد» (546) والطيالسي في «المسند» (550)، ومن طريقه الأصبهاني في «الحلية» (1/254).
- الربيع بن صبيح؛ وروايته عند ابن المبارك في «الزهد» (546).
- يزيد بن إبراهيم التستري؛ وروايته عند أبي حاتم في «الزهد» (18).

والحسن لم يسمع من أبي بن كعب. قاله أبو بكر ابن المنذر في «الأوسط» (5/370).

وعتي بن ضمرة وثقه ابن سعد والعجلي.
وقال علي ابن المديني في كتاب «العلل الكبير»، وذكر حديث أبي بن كعب فيمن تعزى بعزاء الجاهلية: حديث بصري رواه الحسن عن رجل لم أسمع منه بحديث إلا من طريق الحسن، وهو مجهول؛ يقال له: عتي بن ضمرة السعدي، سمع من أبي بن كعب أحاديث رواها عنه، لا نحفظها إلا من طريق الحسن، لم يرو فيها شيئا مرفوعًا إلا هذا الحديث. قال: وحديث هذا الشيخ عتي بن ضمرة يشبه حديث أهل الصدق، وإن كان لا يعرف.

ساق هذا الكلام صاحب «الإكمال» ثم تعقب ابنَ المديني في قوله: (لم يرو فيها شيئا مرفوعًا إلا هذا الحديث) بحديثنا هذا! وحديث آخر؛ حيث قال:
وفيه نظر من حيث أنا وجدنا له عنه حديثًا مرفوعًا غير ما تقدم، .. وساق حديثه هذا.
ثم قال: وحديثًا آخر رواه ابن خزيمة في «صحيحه» عن ابن بشار، ثنا أبو داود، ثنا خارجة بن مصعب، عن يونس، عن الحسن، عن عتي، عن أبي بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «للوضوء شيطان يقال له: ولهان» الحديث. انتهى كلامه.

وهذا التعقب لا وجه له؛ إذ أن حديثنا هذا الراجح فيه الوقف كما تقدم، وأما الحديث الآخر: فقد قال ابن أبي حاتم في «العلل» :
130 - وسمعت أبي وذكر حديثًا رواه خارجة بن مصعب، عن يونس، عن الحسن، عن عتي، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن للوضوء شيطان يقال له: الولهان، فاحذروه.
فقال أبي: كذا رواه خارجة! وأخطأ فيه.
ورواه الثوري، عن يونس، عن الحسن، قوله.
ورواه غير الثوري، عن يونس، عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم ... مرسل.
وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث؟
فقال: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر.

فانظر كيف يُستدرك على ابن المديني -إمام العلل في زمانه- بأوهام لبعض الرواة! بل برواية خارجة بن مصعب!

فلله هذا العلم، –علم علل الحديث- ولله أئمته، كم تسلّط عليه وعلى أئمته بالتطاول والجرأة، والله المستعان وإليه الشكوى.