الخميس، 3 يوليو 2014

بيان علة حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعاً: «أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» .. الحديث.

بيان علة حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعاً: «أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» .. الحديث.

قال ابن أبي شيبة –رحمه الله- في «المصنف» (30006) : حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح الخزاعي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟»، قالوا: نعم، قال: «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا».

ورواه أبو سعيد الأشج في «جزئه» (113) وعبد بن حميد كما في «المنتخب» (483) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2302) والمروزي كما في «مختصر قيام الليل» (ص178) والطبراني في «المعجم الكبير» (491) وابن حبان في «صحيحه» (122) والبيهقي في «الشعب» (1792) و(1858) وغيرهم, كلهم من طريق أبي خالد الأحمر به.

وأبو خالد الأحمر متكلم فيه من جهة حفظه.
انظر ترجمته في «تهذيب المزي» (2504).

وقد خولف أبو خالد الأحمر فيه عن سعيد المقبري:
فرواه أحمد بن منيع في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (3496) و«إتحاف الخيرة» (3496) :
حدثنا أبو النضر، ثنا ليث، حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

وهذا إسناد ظاهره الصحة إلا أن أبا النضر قد خولف عن ليث فيه:
قال البيهقي في «الشعب» عقب حديث أبي شريح –رضي الله عنه- :
ورواه الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن نافع بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. قال البخاري: هذا أصح.

ورواية الليث المرسلة أخرجها أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي -المعروف بأخي تبوك- في «جزء حديثه» (ق3/مخطوط) قال: ثنا أبو العباس عبد الله بن عتاب بن أحمد بن كثير الخزاعي، ثنا أبو موسى عيسى بن حماد، ... -فذكر حديثين- ثم قال: أخبرنا الليث، عن سعيد، عن نافع بن جبير، به.

وعيسى بن حماد قد قال ابن يونس المصري عنه في «تاريخه» (1/388) :
يروي عن الليث بن سعد، وهو آخر من روى عن الليث من الثقات، وهو مكثر عنه.

وهو بالإضافة لذلك؛ مصريٌ بلديُ الليث، أما أبو النضر فهو وإن كان ثقة إلا أنه بغدادي.
فعيسى بن حماد أرجح من أبي النضر في الليث -فيما يظهر- لما سبق والله أعلم.

وأما الراوي عنه فهو المعروف بابن الزفتي، قال فيه أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتًا. انظر «تاريخ الذهبي» (7/370).

وبكل الأحوال؛ فليس بعد قول البخاري –رحمه الله- قول.

كيف لا وقد وافقه على ترجيح الإرسال أبو حاتم الرازي -رحمه الله-، لكنه خالفه في الوجه الذي روي به عن نافع بن جبير:

قال ابن أبي حاتم رحمه الله في «العلل»:
1653 - وسمعت أبي وسئل عن حديث أبي خالد الأحمر،
عن عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن سبب؛ طرفه بيد الله، وسبب طرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا.
ورواه الليث، عن سعيد المقبري، عن نافع بن جبير.
ورواه أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن مسلم بن أبي حرة، عن نافع بن جبير قال النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل؟
قال أبي: هذا أشبه، قد أفسد الحديثين.

ومسلم بن أبي حرة مترجم في «تهذيب المزي» (5924)، وليس فيه توثيق معتبر.

فالراجح مارجحه الإمامان البخاري وأبو حاتم -رحمهما الله- في هذا الحديث؛ عن نافع بن جبير مرسلاً، والله أعلم.

وقد روى الحديث المروزي في «السنة» (113) والبزار في «مسنده» (3421) والطبراني في «المعجم الكبير« (1539) وفي «الصغير» (1044) والأصبهاني في «تاريخ أصبهان» (2/229) من طرق عن أبي داود الطيالسي، قال: ثنا أبو عبادة الأنصاري، ثنا الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال: «أليس نشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟» قلنا: بلى، قال: «فأبشروا فإن هذا القرآن طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسكوا به فلا تهلكوا ولا تضلوا بعده أبدا».

قال البزار عقبه: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن جبير بن مطعم إلا من هذا الوجه، وقد روي عن غير جبير نحو من هذا الكلام، ولا نعلم رواه عن الزهري إلا أبو عبادة الأنصاري.

وقال الطبراني في «المعجم الصغير» عقبه:
لم يروه عن الزهري إلا أبو عبادة عيسى بن عبد الرحمن الزرقي تفرد به أبو داود لم يحدث به أبو داود إلا بالبصرة.

وأبو عبادة الزرقي؛ متروك منكر الحديث. انظر ترجمته في «تهذيب المزي» (4637).

وفي الختام أذكر تنبيهين:
الأول:
قال محقق المجلد الرابع عشر من «المطالب العالية» معقباً على إعلال البخاري المتقدم ذكره: وهذا خاص بحديث جبير وليس بحديث أبي شريح الخزاعي!

وهذا من العجائب، فكيف يكون ذلك والحديثان مخرجهما واحد؛ الليث عن سعيد المقبري، وعبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري، وقد أورد البيهقي كلام البخاري –رحمه الله- عقب حديث أبي شريح.

الثاني:
قال محقق جزء أبي سعيد الأشج: أنا متوقف في الترجيح بينهما –أي الوجهين عن الليث: المرسل والموصول- وإن كنت أميل إلى رواية أبي النضر لوصف جماعة من الأئمة بأنه من المتثبتين!

وعذره في التوقف –كما صرح- أنه لم يقف على إسناد الحديث الذي ساقه به الكلابي في جزئه!

قال هذا بعد أن ساق كلام البخاري وأبي حاتم المتقدم!

وهذا الكلام قد يقوله الباحث إن لم يقف في بحثه على كلام لإمام ناقد يفصل له القول ويذكر الراجح من وجوه الاختلاف على الرواة، أما وقد نقل كلام الأئمة النقاد ثم يعقب بمثل هذا؛  فهذا مما لا يليق بمكانة أولئك الأئمة النقاد، فكأنه يحشر نفسه في زمرتهم ويزاحمهم مضمارهم ويستدرك عليهم بمثل هذا الكلام.
فليته اكتفى بالنقل، ولكن هذا بلاء قد استشرى واستحكم في عقول بعض الباحثين العصريين والله المستعان.