الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

[هل هناك فرق بين الرجل والمرأة في هيئة السجود ؟]

[هل هناك فرق بين الرجل والمرأة في هيئة السجود ؟]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فقد انتشر بين الناس فتاوى لبعض أهل العلم المعاصرين تنصُّ على أن سجود الرجل كسجود المرأة ولا فرق بينهما, واستدلوا لذلك بأن النساء شقائق الرجال وبأن ما ورد في ذلك ضعيف فلا حجة فيه, ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي.

ويروى في ذلك حديث مرسل, رواه أبو داود في المراسيل, قال:87 - حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابن وهب، أخبرنا حيوة بن شريح، عن سالم بن غيلان، عن يزيد بن أبي حبيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: «إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل».

وآخر عند البيهقي من طريق عطاء بن عجلان وهو متهم وثالث عنده من طريق أبي مطيع البلخي وهو ضعيف. [ينظر السنن الكبرى للبيهقي 2/314].

فكلامهم صحيحٌ في أنه لا يصح في ذلك حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم.

لكن الذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أن سجود المرأة يختلف عن سجود الرجل, وهو القول الصواب في هذه المسألة, فقد روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم بأسانيد فيها ضعف, وكذلك عن جمع من التابعين بأسانيد صحيحة ولم يذكر ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما في ذلك عن السلف قولاً آخر مخالفاً, فلزم المصير إلى أقوالهم وترك الخروج عنها.

قال عبد الرزاق في المصنف 3/137:
[باب تكبير المرأة بيديها، وقيام المرأة وركوعها وسجودها]

5066 - عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أتشير المرأة بيديها كالرجال بالتكبير قال: «لا ترفع بذلك يديها كالرجال، وأشار فخفض يديه جدا وجمعهما إليه» وقال: «إن للمرأة هيئة ليست للرجل».
5067 - عن ابن جريج، عن عطاء قال: «تجمع المرأة يديها في قيامها ما استطاعت»
5068 - عن معمر، عن الحسن، وقتادة، قالا: «إذا سجدت المرأة فإنها تنضم ما استطاعت، ولا تتجافى لكي لا ترفع عجيزتها».
5069 - عن ابن جريج، عن عطاء قال: «تجتمع المرأة إذا ركعت ترفع يديها إلى بطنها، وتجتمع ما استطاعت، فإذا سجدت فلتضم يديها إليها، وتضم بطنها وصدرها إلى فخذيها، وتجتمع ما استطاعت».
5071 - عن معمر، والثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: «كانت تؤمر المرأة أن تضع ذراعها وبطنها على فخذيها إذا سجدت، ولا تتجافى كما يتجافى الرجل، لكي لا ترفع عجيزتها».
5072 - عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: «إذا سجدت المرأة فلتحتفز، ولتلصق فخذيها ببطنها».

وقال ابن أبي شيبة في المصنف [(ت الحوت) 1/241]:
[المرأة كيف تكون في سجودها؟]
2777 - حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: «إذا سجدت المرأة فلتحتفر ولتضم فخذيها».
2778 - نا أبو عبد الرحمن المقري، عن سعيد بن أيوب، عن يزيد بن حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن عباس أنه سئل عن صلاة المرأة، فقال: «تجتمع وتحتفز».
2779 - نا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «إذا سجدت المرأة فلتضم فخذيها، ولتضع بطنها عليهما».
2780 - نا جرير، عن ليث، عن مجاهد أنه «كان يكره أن يضع الرجل بطنه على فخذيه إذا سجد كما تضع المرأة».
2781 - نا ابن مبارك، عن هشام، عن الحسن، قال: «المرأة تضطم في السجود».
2782 - نا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: «إذا سجدت المرأة فلتلزق بطنها بفخذيها، ولا ترفع عجيزتها، ولا تجافي كما يجافي الرجل».

وبهذا أفتى الإمام أحمد رحمه الله:
ففي مسائل أبي داود ص75 قال:
«سألت أحمد عن المرأة، كيف تسجد؟ قال: تضم فخذيها، قلت لأحمد: فجلوسها مثل جلوس الرجل؟ قال: لا».


وقال الإمام مالك رحمه الله كما في النوادر لابن أبي زيد 1/186: «تجلس المرأة على وركها الأيسر، وتضع فخذها اليمنى على اليسرى، تضم بعضها إلى بعض، بقدر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود، ولا جلوس بخلاف الرجل».

وقال الإمام الشافعي رحمه الله كما في مختصر المزني 8/109: «ولا فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى بعض وأن تلصق بطنها في السجود بفخذيها كأستر ما يكون وأحب ذلك لها في الركوع وفي جميع عمل الصلاة».

وينظر المغني لابن قدامة 1/403 والمجموع للنووي 3/526 وحاشية العدوي 1/270 وحاشية الدسوقي 1/249.

وهنا تنبيهان:
الأول: ينتبه إلى أن الكلام على السجود خاصة دون الجلوس وإلا فقد ذكر بعض السلف أنها تجلس كالرجل سواء. [وينظر مصنف ابن أبي شيبة 1/242 ومصنف عبد الرزاق 3/138 وفتح الباري لابن رجب 7/299].

الثاني: جاء في صفة الصلاة ص189:
«كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء ولم يرد في السنة ما يقتض استثناء النساء من بعض ذلك بل إن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يشملهن وهو قول إبراهيم النخعي قال:
(تفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل)
أخرجه ابن أبي شيبة (1 / 75 / 2) بسند صحيح عنه».اهـ

والذي ينبغي الإشارة إليه أن الأثر بهذا اللفظ شابَهُ التحريف, والصواب (تقعد) وليس (تفعل), وقد نبه محقق المصنف على أن عامة النسخ جاءت فيها اللفظة على الصواب إلا في نسخة الظاهرية والتي هي مختصر من المصنف. [ينظر 2/507 ط قرطبة].

والله أعلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.