[معنى القول المشهور : (من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريك لعلهم اختلفوا)
]
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن نقض إجماع في مسألة ما نقله عالم
واسع الاطلاع على مذاهب العلماء وأقاويلهم غير معروف بالتساهل فيه مثل الإمام أحمد
رحمه الله أو غيره لا يتأتى إلا بإثبات وقوع الخلاف عند معاصري هذا الإمام أو عند من
تقدمه فيها ولا ينبغي رده بمجرد الدعوى كقولنا: (وما يدريه لعلهم اختلفوا) أو قولنا
(من ادعى الإجماع فقد كذب) بل إن بعضهم يقول: (هل ذهب وطرق باب كل علماء ذاك العصر
وأخذ موافقتهم) ..
وإن قول (من ادعى الإجماع فقد كذب
وما يدريك لعلهم اختلفوا) هو من أقوال الإمام أحمد نفسه كما لا يخفى فقد قال في
رواية ابنه عبدالله ص 439 (ط الشاويش):
1587- قال :حدثنا قال سمعت أبي يقول
ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب من ادعى الإجماع فهو كذب لعل الناس قد اختلفوا
هذا دعوى بشر المريسي والأصم ولكن لا يعلم الناس يختلفون أولم يبلغه ذلك ولم ينته إليه
فيقول لا يعلم الناس اختلفوا.اهـ
وجاء نحو هذه العبارة عنه رحمه
الله في رواية المروذي وأبي طالب وأبي الحاأبو يعلى في العدة 4/1060.
وقد بين أهل العلم المراد
منها ...
فقد قال شيخ الإسلام في إقامة الدليل
على إبطال التحليل ص275 :
وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد:
من ادعى الإجماع فهو كاذب فإنما هذه دعوى بشِرْ وابن علية يريدون أن يبطلوا السنن
بذلك .
يعني الإمام أحمد رضي الله عنه أن
المتكلمين في الفقه من أهل الكلام إذا ناظرتهم بالسنن والآثار قالوا: هذا خلاف الإجماع
وذلك القول الذي يخالف ذلك الحديث لا يحفظونه إلا عن فقهاء المدينة وفقهاء الكوفة مثلاً
فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء واجترائهم على رد السنن بالآراء
حتى كان بعضهم ترد عليه الأحاديث الصحيحة في خيار المجلس ونحوه من الأحكام والآثار
فلا يجد معتصماً إلا أن يقول: هذا لم يقل به أحد من العلماء وهو لا يعرف إلا أن أبا
حنيفة ومالكاً وأصحابهما لم يقولوا بذلك .انتهى
وقال في المسودة في أصول الفقه 1/316
:
(وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم
يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما، ولا يعلمون أقوال الصحابة
والتابعين). انتهى
وقال كما في المجموع 20/10:
وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام
لم يكن لأحد أن يخرج عن الإجماع، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثير من
المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعاً ولا يكون الأمر كلك. انتهى
قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/30
:
ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم
بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله
بالمخالف على النصوص فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع لا
ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.انتهى
وقال أبو يعلى في العدة في
أصول الفقه 4/1059:
وظاهر هذا الكلام أنه قد منع صحة الإِجماع،
وليس ذلك على ظاهره، وإنما قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف
لم يبلغه.
أو قال هذا في حق من ليس
له معرفة بخلاف السلف؛
لأنه قد أطلق القول بصحة الإِجماع
في رواية عبد الله وأبي الحارث.
وادعى الإِجماع في رواية الحسن بن
ثواب، فقال: "أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فقيل له:
إلى أي شيء تذهب؟ قال: بالإِجماع عمر وعلي وعبد اللَّه بن مسعود ، وعبد الله بن عباس".انتهى
وجاء في التقرير والتحبير لابن أمير
الحاج الحنبلي (ج3/ص106):
وقال ابن رجب إنما قاله إنكارا
على فقهاء المعتزلة الذين يدعون إجماع الناس على ما يقولونه وكانوا من أقل الناس معرفة
بأقوال الصحابة والتابعين، وأحمد لا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد التابعين
أو بعد القرون الثلاثة انتهى.
وقال ابن الهمام في نفس المصدر السابق
3/105 :
ويحمل قول أحمد: "من ادعاه –
أي الإجماع- كاذب" على استبعاد انفراد اطلاع ناقله عليه؛ إذ لو لم يكن
كاذباً؛ لنقله غيره أيضاً، كما يشهد به لفظه في رواية ابنه عبدالله.. لا إنكار تحقق
الإجماع في نفس الأمر؛ إذ هو أجل أن يحوم حوله، قلت: ويؤيده ما أخرج البيهقي عنه،
قال:"أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة" يعني (وإذا قُرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا) [الأعراف:204] ، فهذا نقل للإجماع، فلا جرم أن قال أصحابه:
إنما قال هذا على جهة الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق
من ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأن أحمد أطلق القول بحجة الإجماع في مواضع كثيرة. انتهى
وهنا أربع مسائل نقل فيها
الإمام أحمد رحمه الله الإجماع تقدم اثنتان منها:
1-مسألة الإنصات للإمام
في الصلاة:
قوله
تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } نقل الإمام أحمد في رواية أبي داود
الإجماع على أنها في الصلاة, قال أبو داود في المسائل ص48: سمعت أحمد، قيل له: إن
فلانا قال: قراءة فاتحة الكتاب يعني خلف الإمام مخصوص من قوله: {وإذا قرئ القرءان
فاستمعوا له} [الأعراف: 204] ، فقال: عمن يقول هذا؟ ! أجمع الناس أن هذه
الآية في الصلاة.
2-مسألة التكبير في الأضحى:
قيل لأحمد، - رحمه
الله -: بأي حديث تذهب، إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام
التشريق؟ قال: بالإجماع عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود - رضي الله عنهم
-.اهـ نقله ابن قدامة في المغني 2/292.
3-مسألة تحريم الدين بالدين:
قال ابن قدامة في المغني 4/37 :
ولنا أنه بيع دين بدين ولا يجوز ذلك
بالإجماع قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز , وقال
أحمد : إنما هو إجماع.اهـ
4-نجاسة الدم:
قال أحمد لما سئل عن الدم كما في
شرح
العمدة لابن تيمية 1/105: الدم والقيح عندك سواء ؟ قال
: الدم لم يختلف الناس فيه،
والقيح قد اختلف الناس فيه.اهـ
انتهى المراد نقله والله أعلم وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.